آخر تحديث :الثلاثاء-19 أغسطس 2025-01:11م

سُلطة الخوف

الثلاثاء - 19 أغسطس 2025 - الساعة 09:01 ص
د. محمد النغيمش

بقلم: د. محمد النغيمش
- ارشيف الكاتب


فُطِر الإنسانُ على خوفين؛ الخوف من «السقوط» ومن «الأصوات العالية»، ثم يكتسب شتى مخاوفه تبعاً للبيئة التي نشأ فيها. فتجد الهندي لا يهاب الكوبرا، بل يروضها بمعزوفة الناي، ثم يتجرأ أكثر فيلفّها حول رقبته، في حين تفزع الشعوب الأخرى من الأفاعي.

علماء النفس يؤمنون بأن الخوف أصلُ بقاء النوع البشري، ولولاه لألقى الناس أنفسهم في التهلكة. لذلك هو يتغلل في قراراتنا بدرجة أو أخرى. فإذا تعطلت أجهزة الطائرة شغل جهاز الخوف خيارات الحكمة لدى قبطانها، حتى يهبط بسلام، في أأمن رقعة جغرافية. وكلما ارتبطت القرارات بمصائر جموع غفيرة ارتفعت المخاوف الطبيعية لمتخذ القرار.

لذلك فإن تداعيات تجاهل مشاعر الخوف وخيمة على الاقتصاد. وهناك في الواقع مؤشر للخوف يقيس درجة هلع المستثمرين في أسواق المال. فإذا ما خافوا هبطت الأسواق. وكل تراجع لإنفاق الأفراد والشركات يكبر معه نطاق الأزمة، كما درسنا في علم الاقتصاد.

على الجانب الإداري، هناك ما يسمى بـ«رهاب اتخاذ القرار» (Decidophobia) أطلقه الأستاذ في جامعة هارفارد والتر كوفمان في كتابه عام 1973 «من دون ذنب وعدالة». مشاعر الخوف في بدايات تولي المنصب هو أمر صحي ومؤشر حكمة. ذلك أن من قادوا مجتمعاتهم نحو الهاوية كانوا يفتقرون إلى وخز الضمير الذي يوقظ فيهم سبات الخوف.

والخوف أشكال عدة. فهناك «تخوف» مسبق لما يُتوقع حدوثه. وهناك «هلع»؛ أي خوف مشوب بالخشية من فقدان السيطرة. و«يجزع» المرء حينما يفقد القدرة على إعادة الأمور إلى نصابها. أما «الحذر» فهو خوف إيجابي يدعو إلى توخي الحيطة والسلامة.

وقد أنقذ الخوف الرئيس الأميركي كيندي والعالم في أزمة الصواريخ من اندلاع حرب نووية عندما اتخذ القرار الأقل اندفاعاً.

والخوف حالة محيرة، فيروي التاريخ قصص زعماء كانوا يخافون من القطط وغيرها، لكنهم كانوا قادة عظماء. وهذا يشير إلى أن القادة لا يخلون من مخاوف غير متوقعة.

لكن المعضلة تكمن حينما يأتي قيادي يخاف من ظله، فكيف نأمل في أن يخطو بنا نحو مزيد من الازدهار.

بعض الخوف «جيني» متغلغل في كينونة الفرد. لكنَّ الكثير من مخاوفنا المكتسبة يمكن التغلب عليها تدريجياً بالاستشارة والمعلومة والتجربة.

الخوف الإيجابي يمنع التهور، والسلبي يعوق مسيرة التقدم.