آخر تحديث :الجمعة-01 أغسطس 2025-01:53ص

نحو هندسة نهضوية تنقذ اليمن من سلالة الخراب ومليشيات التمزيق

الإثنين - 14 يوليو 2025 - الساعة 07:11 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب



🔹 مدخل: عندما تصبح السياسة مرآة للوجدان الجماعي


ليست أزمتنا في اليمن أزمة حكم فاسد فقط، ولا سلالة انقلابية باغية فحسب،ولا تمكين لمليشيات تمزق الجغرافيا الوطنية، بل هي مرآة مقلوبة لما آلت إليه أحوالنا نحن، شعوبًا ونخبًا ومجتمعًا.

فالسلطة – في منطق السنن الإلهية – هي آخر ما يتغير، لأنها انعكاسٌ لما استقر في القاعدة من وعي، أو ترسّخ من خلل.

( كما تكونوا يُولّى عليكم ) هذه ليست عارة منسية، بل قاعدة تأسيسية في بناء الحضارات.

ولهذا، فإن مشروع النهضة في اليمن لا يمكن أن يبدأ من مفاوضات سياسية أو توازنات قسرية، بل لا بد أن يبدأ من الجذر: من الإنسان، من الفكرة، من المجتمع.

ومن هنا، تبدأ هندسة البناء النهضوي: طريق الخلاص الوحيد من مشروع السلالة، ومن جحيم مليشيات التمزيق، ومن موت الدولة، يبدأ من الوعي النهضوي المؤثر في شريحة البناء.

🔹هنا لابد من استيعاب مهددات وجودية:

أولًا: مشروع الحوثي... عندما يتحول الدين إلى امتياز سلالي


إن أخطر ما يواجه اليمن اليوم ليس فقط انقلابًا مسلحًا، بل مشروعًا سلاليًا طائفيًا يدّعي الأحقية الإلهية بالحكم والهوية والثروة.

مشروعٌ يستند إلى مرجعية عنصرية استبدادية، ويضع ملايين اليمنيين في خانة "الناقصين" الذين لا يملكون حق القرار، ولا حتى حق المواطنة الكاملة.


في ظل هذا المشروع:

يصبح الوطن غنيمة، لا عقدًا اجتماعيًا.

وتُصبح الدولة مزرعة، لا مظلة للعدالة.

ويُصبح اليمن مسرحًا لإعادة إنتاج الكهنوت، لا مشروعًا للحضارة.

---

ثانيًا: مشاريع تمكين المليشيات وتمزيق الجغرافيا الوطنية...


في الضفة الأخرى، تُرفع شعارات استعادة الدولة، بينما ما يحصل في الواقع هوتكاثر المليشيات، وتتناسل مناطق النفوذ، ويتآكل ما تبقى من شكل الدولة.


مشاريع تمكين المليشيات، تحت أي مسمى، تُعيد إنتاج التمزيق للوطن بأدوات جديدة، وتفتح الأبواب للتدخلات الخارجية، وتغتال فكرة اليمن الجامع من جذورها.

---

🔹الدولة العادلة هي قدر اليمن النهضوي:


لا يمكن لليمن أن ينهض إلا في ظل دولة عادلة:

دولة لا تعرف الامتيازات الوراثية.

ولا تقبل بتعدد المليشيات.

ولا تساوم على الوحدة الوطنية.

دولة تكفل الحقوق، وتمنح الحريات، وتؤسس للمواطنة على أساس الكفاءة والعدل لا على أساس السلالة أو أو الجهة او المنطقة.

الدولة العادلة ليست خيارًا بين عدة احتمالات، بل هي شرط وجودي للنهضة اليمنية.

---

🔹هندسة مثلث النهضة الحضارية:


النهضة ليست حالة عفوية، بل تُبنى على ثلاث شرائح مترابطة، يمثل توازنها مثلث الانبعاث الحضاري:

● شريحة التكوين:

هي النخبة المفكرة والواعية والفاعلة، التي تُنتج الفكرة، وتصوغ الرؤية، وتحدد الاتجاه وتحمل هم التفيير.

تمثل أقل من 2.5% من المجتمع، لكنها تصنع الجذر الفكري والقيمي لكل تحوّل.

● شريحة التأسيس:

تمثل مراكز النفوذ: السلطة والقوة، الإعلام، الاقتصاد، المال.

لا تنجح شريحة التكوين دون التأثير في هذه الشريحة، أو انتزاع موقع داخلها، أو صياغة استراتيجية تفاهم معها

هي رافعة المشروع أو معوّقه الأكبر.

● شريحة البناء:

هي الشعب، والقاعدة المجتمعية، والجمهور الواسع.

هي الضلع الثالث في المثلث، الذي لا تكتمل النهضة إلا باستنهاضه واستيعابه وتحريكه في مسار الفعل.


النهضة تولد في النخبة، وتتحول إلى طاقة في دوائر القوة، وتُصبح تيارًا حيًّا حين يتبناها الجمهور.

---

🔹 استراتيجية النهوض:


لتحريك هذه الشرائح، نحتاج إلى فلسفة تربط الإنسان البسيط بالمشروع الكبير:

بذل الجهد: أي جهد صغير صادق – كزرع شجرة، أو كتابة فكرة، أو تعليم طالب – هو فعل نهضوي إن خلصت النية.

إماطة الأذى عن الطريق

الأمل: نزرع الأمل حتى لو بدت القيامة وشيكة، لأن الأمل فعل مقاومة حضارية ضد الانهيار.

اذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.

التعاون: المشروع لا يُحمل على كتفٍ واحد، بل يُحمل جماعيًّا، وكل إنسان مسؤول عن طرف من أطراف الحمل.

الحمل الثقيل نحمله كلنا

---

🔹البعد السنني – لماذا السياسة آخر ما يتغير؟:

لا نطلب من الحاكم أن يتغير، قبل أن تتغير الأمة.

ولا نُحمّل السلطة ما لم يتحمّله المجتمع.

لأن سنن الله في التغيير تبدأ من القاعدة لا القمة.

حين يتغير الوعي، يتغير السلوك.

وحين يتغير السلوك، تتغير العلاقات.

وحين تتغير العلاقات، يتغير شكل الدولة.

وحين تتغير الدولة، تُثمر السياسة بما زرعته الأمة.

من هنا نؤمن – إيمانًا لا تزعزعه الأحداث – أن اليمن في طريقه إلى التغير، لأن التحوّل بدأ من القاعدة، من يقظة الوعي، لا من صراعات السلطة.

حين يتعمق الوعي في مجتمع ما، لن يسمح بسلطة فاسدة ضعيفة أن تحكمة، الفساد يتحكم حين يغيب الوعي

---

🔹من فوضى السلالة والتمزيق إلى وعد النهضة:


إن الطريق أمامنا طويل، لكنه واضح.

وليس خلاص اليمن في انتظار الحلول الدولية، ولا في تعويم المليشيات، بل في عودة المشروع الوطني إلى جذر النهضة:

إصلاح الإنسان قبل إصلاح النظام.

صناعة الوعي قبل صناعة القوانين.

تأسيس الدولة العادلة التي تَسَع الجميع، وتُقصي من يزعم الاصطفاء، وتنهي مليشيات التمزيق.


من لم يحمل "تمرة"، ولم يغرس "فسيلة"، ولم يرفع مع القوم حملا، فلا يحق له السؤال عن اليمن، ولا البكاء على أطلاله.

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الاثنين ١٤يوليو ٢٠٢٥م