آخر تحديث :السبت-12 يوليو 2025-04:58م

الشرعية تذبح نفسها والحوثي يبتسم.

الخميس - 10 يوليو 2025 - الساعة 11:43 ص
كامل الخوداني

بقلم: كامل الخوداني
- ارشيف الكاتب


هروب القيادات الحوثية مؤشر على مدى السوء الذي وصلوا إليه، لكن السؤال: كيف تستثمر الشرعية هذا الهروب لصالحها، بدلاً من تحويله إلى ورقة لصالح الحوثي نفسه؟ في الوقت الذي يحتفي فيه الحوثي بعودة هلفوت لا قيمة له، ويحوّله إلى إنجاز، تعجز الشرعية عن استثمار هروب قيادات بحجم وزراء. بل وعن قصد أو دون قصد، تنقل رسالة لكل من يفكر بالمغادرة من تحت سطوة الحوثي: "من جاءنا رددناه أو أهنّاه".


قدّمت الشرعية للحوثي خدمات جليلة.


دعونا من العاطفة حاليًا والمزايدات وتوزيع الصكوك، لسنا بصدد إثبات الوطنية والانتماء الجمهوري، لقد وثّقنا عقودها بالدم، لا بمنشورات فيس بوك.


لنتحدث بشكل منطقي...


في قضية الزايدي مثلاً، وهو قيادي حوثي، لا خلاف على ذلك، ولن أتحدث عن مشروعية القبض عليه من عدمها، بل أوجّه سؤالًا: لماذا نجح الحوثي في استغلال هذه القضية لصالحه، بينما عجزت الشرعية عن استغلالها؟


جاء الزايدي بعدة أطقم وعشرات المسلحين، ولم يكن مجرد مسافر عابر سبيل، بل قيادي حوثي بمسلحين ومرافقين وأطقم، تهجموا بعنجهية على النقاط، وعبروا بالقوة، ورفضوا الامتثال للتوجيهات، وأطلقوا النار على الجنود. وعند التفتيش، وُجدت لديه عدة جوازات سفر مزوّرة.


وهل هناك سبب أكثر من هذا يستدعي إيقافه والقبض عليه؟ لن يجرؤ أحد على فتح فمه بكلمة واحدة.


ما الذي حصل بدلًا من ذلك؟ ينشر إعلام الشرعية بكل "هبالة" وغباء أنه أُلقي القبض عليه داخل ثلاجة أسماك، مختبئًا داخلها، لا حول له ولا قوة، وكأنما أرادوا بهذه السخافات نسف مشروعية القبض عليه الأساسية، وهي المرور المسلح بالأطقم، والتمرد، ومواجهة رجال الأمن، وهذا لا ينطبق عليه وصف "مسافر".


لقد منحه إعلام الشرعية صفة المسافر الذي تضمن له القوانين حرية التنقل، بإكذوبة القبض عليه داخل ثلاجة نقل أسماك، بينما عبر كقيادي بمرافقين وأطقم مسلحة، وبشكل غير قانوني، وبرفض للتوجيهات، واقتحام للمنفذ بالأطقم والمسلحين.


لن أتحدث عن بقية التفاصيل، وعن استغلال الحوثي لهذه القضية للتحشيد القبلي، والذي وصل حدّ التحشيد داخل مناطق الشرعية نفسها، بداعي القبيلة والنكف القبلي، وتحريك مسلحين وتقاطعات ومواجهات في مناطق الشرعية، كما حدث بالمهرة.


حتى لو كان قاتلًا، فهذا يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن القبيلة والنكف القبلي قد يحتشدان في مناطق الشرعية ويواجهان ويتمردان حتى لو كانت القضية لصالح الحوثي. لكن هذا النكف لا يجرؤ على الاحتشاد لنصرة مظلوم، أو امرأة، أو شيخ، أو مواطن في مناطق الحوثي، حتى لو كان من كبار مشايخها، فكيف لو كان مثلًا شيخ أو قيادي يتبع الشرعية؟ حتى مجرد همسة لن يجرؤ أحد على إطلاقها.


وهذا يدل على أن الحوثي استطاع بسط نفوذ سلطته ودولته، وأخضع لها الجميع، بما فيهم القبيلة، بينما سلطة الدولة غائبة تمامًا في مناطق الشرعية، لدرجة أن القبيلة تستطيع القيام باعتصامات ووقفات وتجمعات لنصرة قيادي حوثي.


خارجيًا، يستخدم الحوثي هذه الورقة لتعزيز موقفه المطالب بفتح مطار صنعاء، وشركة طيران خاصة له. ولا يحتاج إلى أدلة لإثبات أن مناطق الشرعية غير آمنة، عليه فقط أن يأخذ منشورات وكتابات الشرعية ويقدّمها لإثبات "سلمية مسافريه"، ويدعمها بمنشورات ووقفات وتنديدات قيادات وقبائل الشرعية المطالبة بإطلاق سراح "المسافر المسالم" واحترام حرية التنقل.


حتى الحريزي ومسلحيه منحوا تبريرًا لتدخلهم المسلح، بل في العرف القبلي هذا موقف شهامة ومروءة، وليس تمردًا مسلحًا، رغم أنه وصل حد قتل ضباط وجنود.


الشرعية تذبح نفسها من الوريد للوريد.


لنأتِ إلى الكارثة.


مساء اليوم... إعلان عاجل: القبض على وزير الخارجية السابق بسلطة الحوثي، القيادي المؤتمري هشام شرف، وهو يقف أمام شباك تأشيرة المغادرة داخل المطار، وبجواز فرنسي.


فضيحة!


دبلوماسي سابق


سياسي


فرنسي الجنسية


داخل المطار، وليس في نقطة تفتيش أو أمن!


أين أخذوه؟ إلى زنزانة الأمن.


ترتفع الأصوات بضرورة إعدامه شنقًا في الساحات العامة! إي والله!


كان يمكن أن يكون انتصارًا كبيرًا للشرعية، لو تم تقديمه بشكل احترافي.

لكن كيف تمت كتابة الخبر؟

تصريح صغير: "تم منعه من السفر لضرورة حصوله على تأشيرة الموافقة المسبقة من الخارجية، لأنه يحمل جوازًا دبلوماسيًا"، وهذا إجراء قانوني يتبع مع كل حملة الجوازات الدبلوماسية.


ثم... يأخذوه ويعلقوه على كنبة، بعد أن سحبوا البساط من أي نقد لهم أو حتى شبهة انتهاك قانون.


لكنهم، بتصريحاتهم، منحوا الحوثي ورقة أخرى، لا يحتاج لاستغلالها إعلاميًا كما حدث مع الزايدي، بل دبلوماسيًا على المستوى الخارجي.


الزايدي: قيادي حوثي، وقبلي، ومسلح، بمرافقين... لو قبض عليه فلن يخرج بسهولة.


هشام شرف: شخص مدني، واسم معروف دوليًا، ومجرد قيادي مؤتمري. قد يكون خضع لهم، لكنه ليس رقمًا مهمًا بالنسبة لهم، ولا خطرًا عليهم. وسوف يُطلق سراحه، خصوصًا لو كان خروجه تم بتنسيق مسبق.


لكن هذا لا يعفي من أن توقيفه في نفس توقيت قضية الزايدي قد خدمهم خارجيًا، بصفته دبلوماسيًا وسياسيًا معروفًا. ورقة توقيفه أكثر أهمية من ورقة الزايدي، ويمكن استخدامها للضغط من أجل تحقيق مطالبهم، بما يخص المطار وشركة طيران خاصة.


والسؤال هنا: ماذا استفادت الشرعية؟ وكيف يمكنها تحويل مثل هذه الأحداث لصالحها؟


وليس فقط تحويلها إلى عناوين أخبار لا قيمة لها، بل معظمها تصبّ في صالح الحوثي!


وهنا مربط الفرس...


فلنعد إلى مسألة القيادات المغادرة والهاربة من تحت سطوة الحوثي.

هل تتوقعون استمرار مغادرتهم وهروبهم؟