آخر تحديث :السبت-05 يوليو 2025-10:52م

الهجرة آمال تتجدد ،،،

الخميس - 26 يونيو 2025 - الساعة 11:55 م
د. سعيد سالم الحرباجي

بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب



لم تكن مصادفة ، ولا اعتباطاً أن يأمر سيدنا عمر بأن يكون حدث الهجرة مرجعاً تأريخياً للمسلمين ، يدونون به أحوالهم ، ووقائعهم ، ومعاملاتهم ..


لكنه أراد أن يرتبط هذا الحدث الضخم بحياة المسلمين على مدار الأزمان ككتاب مفتوح قرؤون من خلاله أحوال من سبقوا ، ويستلهمون من أحداثه دروس من مضوا ، ويرجعون إليه للتعامل مع أحوال واقعهم .


ربما تكون هذه النظرة الثاقبة للفاروق ...

مستوحاة من آيات القرآن التي دونت أحداث الهجرة.


ذلك أننا إذا ما أمعنا النظر في الآيات التي تحدثت عن عين الحدث لوجدنا أنها نزلت بعد للهجرة بعدة أعوام ولم تواكب وقوعه .


فقوله تعالى : (وإذ يمكر بك الذين كفروا....)

وهي الأية التي تتحدث عن المؤامرة التي ِحيْكَتْ قبيل الهجرة.....

هذه الأية نزلت في معركة بدر ( بعد أكثر من عامين من الهجرة) وكانت تعالج موضوع آنيٍ حينها .


وأما قوله تعالى  : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ ....) فهذه الأية نزلت عتاباً للمتخلفين من الصحابة عن غزة تبوك ( السنة التاسعة للهجرة ) وذلك عندما قرر الرسول غزو الروم.


والمستوحى من هاتين الأيتين ...

هو ربط المسلمين بهذا الحدث عند النوازل ، وعند وقوع الشدائد .....ككتاب مفتوح يقرؤون من خلاله أحداث اليوم ، ويستوحون من ثنايه أحداث الأمس ، ويمزجون بين الماضي والحاضر لوضع الأسس لبناء المُستقبل .


بالأمس ضاقت قريش ذرعاً بالمسلمين - بعد أن عذبتهم ، وأذلتهم ، وشردتهم - فقررت الخلاص من صاحب الدعوة نفسه .

لذلك دعت إلى مؤتمر دولي للنظر في أمر ( الرسول ) فاجتمع المجرمون في دار الندوة فكانت هناك ثلاثة خيارات على طاولة النقاش ..

الخيار الأول : التخلص منه قتلاً .

الخيار الثاني : إيداعه السجن .

الخيار الثالث : النفي من مكة .


وبعد مداولة من قبل أولئك الطغاة...خلصوا إلى أنَْ القرار الأنسب هو ( التخلص منه قتلاً )

فأجمع الحاضرون على ذلك .

وكلفوا المنفذين ، ووعدوهم ( بالدولارات ، والريالات ) ووووو...معذرة لم تكن تلك العملات ، موجودة حينها ، لكنهم وعدوهم بحمر الإبل .

وحددوا ( مائة ناقة ) لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً !!!

مكافئة جداً مغرية مقارنة بمجرمي اليوم...الذين ينفذون القتل مقابل ( ألف ريالاً سعودياً ) .


علم الرسول بتلك المؤامرة الدنيئة ...فأخذ بكل أسباب النجاة ، وخطط تخطيطاً دقيقاً للإفلات

من الوقوع في أيدي أولئك المجرمين ...

وبالفعل نجا ، وأفلت منهم ، ووصل إلى المدينة سالماً .


هذه الصفحة من صفحات ذلك الكتاب التأريخي المفتوح ....ينبغي أن تُقرأ اليوم بعناية من قبل حاملي إرث النبوة المحمدية .


الدعوة التي أغضبت مجرمي الأمس ...هي نفسها الدعوة التي تغضب مجرمي اليوم .

والتآمر الذي تم بالأمس في دار الندوة للخلاص من رأس الدعوة ..

هو هو التآمر عينيه الذي يتم في البيت الأبيض أو البيت الأسود للخلاص من قادة دعوة اليوم (فالتأريخ يعيد نفسه ) .


بالأمس فطن قائد الدعوة وأخذ بأسباب النجاة....فنجا.

اليوم ينبغي أن تُستلهم الدروس والعبر من ذلك الحدث والأخذ بكل أسباب النجاة لمواجهة تآمر المجرمين .


أما الأية الثانية والتي تصف الرسول وهو محاصر في الغار ، وقد أحاط المشركون به إحاطة السوار بالمعصم ثاني اثنين إذ هما في الغار

هذه الأية صفحة أخرى من صفحات ذلك الكتاب المفتوح ، وهي بحاجة إلى أن نقف معها بجدية .


في السنة التاسعة للهجرة قرر الرسول أن يغزوا الروم ...وكان الناس يعانون من ضيف في اليد ، وقلة في المؤن ، وكان الوقت صيفاً ، والحر لا يطاق ، ضف إلى ذلك كانت المسافة للوصول

الى الروم تقدر ب ( 700) كيلو حتى أنٌ تلك المعركة سُمَّيت ( بغزوة العسرة) .


حينها تحرك الطابور الخامس ليثبط عزائم الناس ، ويوهن من حماستهم ، ويخذل من جمعهم .... وهذا ما تم فعلاً .


في تلك الأثناء نزل قوله تعالى:(إلَّا تنصروه فقد تصره الله ، ثاني اثنين إذ هما في الغار .....)

وهي إشارة إلى المنافقين ، والمتخاذلين.....

فحواها إلَّا تنصروا رسول الله ، وتجاهدوا معه فإن الله ناصره ، كما نصره بالأمس وهو في أحلك الظروف .


لذلك عزم الرسول على إنفاذ الجيش ، وأخذ قرار الحرب ، وفصل في خطاب المواجهة ، وتحرك الجيش بقيادته - في تلك الظروف الصعبة - لملاقاة الروم رُغم الفارق الكبير في العدد والعدة بين الجيشين ...

وانتهت المعركة بهروب الروم من مواقعهم العسكرية قبيل وصل المسلمين إليها .


ولأنَّ التأريخ يعيد نفسه....

فمنافقو الأمس هم منافقو اليوم ، ومخذلو الأمس هم مخذَّلو اليوم ، وجبناء الأمس هم جبناء اليوم ؛؛؛


وفي المقابل رجال اليوم هم رجال الأمس .

وما يحصل اليوم من مواجهة غير متكافئة بين المقاومة في غزة واليهود ...يؤكد هذا المعنى حرفياً.


وما نراه من زعيق ، ونعيق ، ونهيق ضد المقاومة ، والانتقاص من قدراتهم في مواجهة الصهاينة من قبل عصابات الطابور الخامس....

هو مؤشر على أنَّ التأريخ يعيد نفسه بالفعل.


بالأمس أرادوا التخذيل ففشلوا...

وانتبه القائد العظيم لتلك الدسائس...فتجاوزها ، وحقق النصر .


واليوم أدرك المقاومون خطورة المتآمرين ، فأخذوا قرار المواجهة.

وها هم صامدون لما يقارب من عامين في وجه الغطرسة الصهيونية وكل المؤشرات تدل على أنَّ المشروع الصهيوني للزوال.



هكذا ينبغي أن نقرأ حدث الهجرة ، وهكذا ينبغي أن نتعامل معه .

فهو كتاب مفتوح عبر الأجيال ..لقراءة أحداثه ، والوقوف مع آلامه ، وآماله .


بالأمس نصر ربنا سبحانه رسوله والمسلمين رُغم قلتهم ، ورُغم ضعفهم ...

وكان حدث الهجرة - رغم آلامه ، ورغم جروحه الغائرة - فاتحة خير للمسلمين ، وعلامة فارقة في تاريخ حياتهم .


وفي الوقت نفسه كان هزيمة لمشروع الطغيان ، وخسارة لقوى الشرك .


اليوم ونحن نحتفل بالعام الهجري الجديد ...نتطلع من خلاله أن يكون فاتحة خير للمسلمين ، وبداية هزيمة

لقوى الشر في العالم .