آخر تحديث :السبت-28 يونيو 2025-06:26م

من نطنز إلى غزة: سقطت الأقنعة وصمدت الكرامة

الإثنين - 23 يونيو 2025 - الساعة 01:09 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


ضُربت نطنز، وتهاوت أحلام التخصيب، وسقطت منشآت فوردو وأراك في غبار القنابل الذكية. لم يكن ما جرى لإيران حدثًا تقنيًا فحسب، بل صفحة فاصلة في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط.

نجحت أمريكا وإسرائيل في إسقاط المشروع النووي الإيراني، بعملية عسكرية محكمة، متعدّدة الأبعاد، لكنها في ذات الوقت عرّت وجهًا آخر أكثر فظاعة: وجه التوحش الذي يُدار به النظام الدولي عندما تقرر القوى الكبرى سحق خصمها.

🔹 أولًا: منطق القوة.. ماذا قالت الضربة؟


لم تكن الضربة مجرّد منعٍ لقنبلة. لقد تجاوزت حدود الردع إلى سلوك إبادة ممنهجة لمراكز حيوية في البنية التحتية الإيرانية، واستخدمت فيها أدوات تفجير عالية الدقة، بل وربما سلاحًا غير تقليدي، بحسب تقارير مسربة.


لكن الأفظع هو ما رافق هذه الضربات من اغتيالات متسلسلة لقادة الصف الأول في الحرس الثوري والعقول العلمية، وكأن الهدف لم يكن إسكات البرنامج، بل شلّ الإرادة السياسية والعسكرية لإيران تمامًا.


فهل نحن أمام تطبيق نموذجي لـ"عقيدة الصدمة"، كما وصفها المفكرون؟ أم أمام تحول خطير يُقنن العدوان باسم الشرعية الدولية المدجّنة؟


🔹 ثانيًا: أمريكا... القوة فوق القانون


لقد جسّدت أمريكا، في هذه العملية، المعنى الحقيقي للقوة المتفلتة.

لم تعبأ بقوانين دولية، ولا بسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، ولا بالمدنيين الذين قُتلوا مع مَن قُتل، أو البنى التحتية التي سوّيت بالأرض.


هي لم تضرب إيران فحسب، بل ضربت روح القانون الدولي، وأرسلت للعالم بأسره رسالة مرعبة مفادها: أن من يخرج عن طوق واشنطن سيُسحق بلا رحمة، وبلا محاسبة.


وهنا، يُطرح السؤال الأعمق:

كيف يمكن للعالم، وللأمة الإسلامية خصوصًا، أن تستمر في بناء استراتيجياتها الأمنية والسياسية على وهم الشراكة مع منظومة تمارس هذا القدر من الوحشية؟


🔹 ثالثًا: المقارنة الفاصلة: غزة تصمد... وطهران تنهار


وإذا كان العالم قد رأى إيران تنهار أمام الضربات خلال أسابيع، وتتصدّع من داخلها، وتخسر قيادتها وبناها ومكانتها،

فإنه يرى في المقابل ملحمة المقاومة الفلسطينية في غزة،

التي ما تزال، رغم الحصار والمجازر والدمار والخذلان الدولي، صامدة، باسلة، تقاتل نيابة عن الأمة كلها منذ ما يقرب من عامين، دون أن ترفع الراية البيضاء.


صمود غزة ليس فقط صمودًا بالسلاح، بل صمود بالمبدأ، بالقضية، بالقيمة الأخلاقية العالية.

فهي تقاتل لتحرير أرض محتلة، ولحماية شعب محاصر، ولنُصرة معتقد وعقيدة وهوية.


أما إيران، فقد انهارت لأنها قامت على مشروع توسعي طائفي، لا تحرري،

مشروع قائم على تصدير الثورة، لا دعم مقاومة،

على تمزيق الأمة من داخلها، لا مواجهة العدو الذي على حدودها.


إن الفرق بين المقاومة في غزة، والدولة الصفوية في طهران، هو الفرق بين من يقاتل لله، ومن يقاتل للتمدد.

وبين من يطلب الحرية لشعبه، ومن يطلب التسلّط على شعوب الآخرين.


فهل من عاقل يساوي بين من يموت من أجل وطنه، ومن ينهار لأنه لم يعد قادرًا على تمزيق أوطان غيره؟


🔹 رابعًا: إسرائيل... خصم يُجيد استخدام الآخرين


خرجت إسرائيل من الضربة منتصرة دون أن تُطلق حربًا شاملة. أوكلت المهمة الثقيلة لحليفها الأميركي، وراقبت المسرح من بعيد، متأهبة لتلقّف الفرص التي ستُخلِّفها الفوضى.


لكنها في العمق، ترسل رسالة لكل خصم محتمل: أننا لا نُعادي فقط، بل نُبيد. لا نحاصر فقط، بل نُسقط من الجذور.


🔹 خامسًا: مآلات الحرب.. أبعد من إيران


الحرب لم تُغلق فصولها.

قد تعود إيران إلى الفوضى الداخلية، أو إلى الرد غير المباشر عبر أذرعها، أو إلى الندب في أروقة الأمم المتحدة.

لكن الحقيقة أن العالم تغيّر بعد هذه الضربة.


لم تعد السيادة خطًا أحمر.


ولا القوانين الدولية مرجعًا ملزمًا.


ولا الحروب تقف عند حدود الردع، بل تصل حدّ الإبادة الاستباقية


🔹 خاتمة: من نطنز إلى غزة… وبينهما اختبار الأمة


ما جرى في إيران ليس رسالة إلى طهران وحدها، بل إلى العالم كله.

رسالة موقّعة بالنار، مفادها أن من يخرج عن بيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي، فمصيره التصفية الجسدية والسياسية.


لكن الأمل لا يُولد من أقبية المساومات، بل من رحم التضحيات.

وها هي غزة – غزة العزّة، تُسطّر منذ أكثر من ستمئة يوم، ملحمة تتكسّر على أبوابها كل ترسانة العدو:

ترسانة الطغيان، وترسانة التآمر، وترسانة اليأس.


لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أن الحق إذا اقترن بالإيمان، يصبح أقوى من سلاح الجو الأمريكي، ومن ترسانة الصمت العربي، ومن فحيح الصفويين.


وعليه، فإن على شعوب العالم، وعلى وجه الخصوص الأمة الإسلامية، إن أرادت أن تعيش حرة كريمة في أوطانها،

أن تتحرر من كل استعمار واستبداد وتسلّط،

أن تتحرر من الخوف، من الوهم، من الذل،

أن تتحرر من الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية،

وتستلهم من غزة قيمة الصمود، ومعنى العزّة، وراية التحرر النظيف.


ففي غزة الجريحة المنتصرة…

يتجلّى المشروع الذي لا يُهزم:

مشروع الإنسان الحر، لا العبد التابع.

مشروع المقاومة، لا المساومة.

مشروع النور في وجه الظلام.


ومن لم يرَ الحقيقة في نطنز،

فلينظر إليها… من نافذة غزة.

—--

عبدالعزيز الحمزة

الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥م