آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-12:46م

الخصمان اللدودان .. بين أمن اسرائيل وعقيدة ايران

الخميس - 19 يونيو 2025 - الساعة 01:31 م
محمد علي رشيد النعماني

بقلم: محمد علي رشيد النعماني
- ارشيف الكاتب


في حين تتزايد التوترات الإقليمية ويتضاعف منسوب التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، يبدو أن تل أبيب تعتمد استراتيجية متعددة الأبعاد في تعاملها مع التحدي الإيراني، تتجاوز مجرد الرد على المخاطر إلى السعي لاحتوائها وتقويضها في مهدها، حيث يُعد منع إيران من امتلاك سلاح نووي الهدف الأعلى والأكثر إلحاحاً في أجندة الأمن القومي الإسرائيلي، إذ ترى إسرائيل في احتمال امتلاك طهران لهذا السلاح تهديداً وجودياً مباشراً، وهو ما يبرر سلسلة العمليات الاستخباراتية والعسكرية التي استهدفت منشآت التخصيب ومراكز البحث النووي، سواء عبر الهجمات السيبرانية أو العمليات الجوية أو الاغتيالات النوعية، كما لا تنفصل هذه الجهود عن محاولات مستمرة لتعطيل البرنامج النووي الإيراني أو تأخيره إلى أقصى مدى ممكن، ويوازي هذا المسار النووي قلق متزايد لدى إسرائيل من القدرات الصاروخية الإيرانية، لاسيما الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس متفجرة لمسافات بعيدة، ما يجعل هذه الترسانة هدفاً مستمراً لعمليات رصد واستهداف تهدف إلى تقليل فاعليتها وتعطيل بنيتها التحتية.

وعلى المستوى الإقليمي، ترى إسرائيل أن النفوذ الإيراني في المحيط العربي يمثل امتداداً للتهديد المباشر، وهو ما يفسر محاولاتها المتواصلة لتفكيك ما تصفه بـ"محور المقاومة" والذي يشمل حزب الله في لبنان، والفصائل المرتبطة بإيران في سوريا والعراق، إلى جانب الحوثيين في اليمن، حيث تعمل إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر على إضعاف هذا المحور عبر ضربات استباقية أو تنسيق استخباراتي مع شركاء إقليميين ودوليين لقطع خطوط الإمداد والتسليح، ويأتي كل ذلك في سياق أوسع تسعى فيه إسرائيل لإعادة ترسيخ معادلة الردع مع إيران، بعد سنوات من "حرب الظل" التي اتسمت بالضربات غير المعلنة والعمليات المحدودة، فالمواجهة الحالية تحمل رسائل صريحة بأن أي تهديد لأمن إسرائيل سيقابل برد قاسٍ قد يتجاوز الحدود التقليدية، ويُضاف إلى هذه الأهداف رغبة إسرائيل في تعزيز موقعها التفاوضي في حال عودة الأطراف الدولية إلى طاولة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، إذ تعتقد أن الضغوط الميدانية قد تدفع طهران لتقديم تنازلات أوسع أو قبول ترتيبات أمنية أكثر صرامة، وعلى الصعيد الاستخباراتي، تسعى إسرائيل لإثبات قدرتها على اختراق العمق الإيراني، والوصول إلى أهداف شديدة التحصين، بما يعزز من صورتها كقوة إقليمية متفوقة تمتلك حرية حركة جوية وتقنية عالية الدقة في جمع المعلومات وتنفيذ العمليات، كما يطرح بعض المحللين فرضية أن إسرائيل تراهن "بشكل غير مباشر" على إمكانية أن تسهم الضغوط المتزايدة في إضعاف النظام الإيراني داخلياً، سواء عبر تشجيع التململ الشعبي أو عبر إثقال كاهل النظام اقتصادياً وعسكرياً، ما قد يفتح الباب لتحولات سياسية داخلية تقلّص من عداء طهران تجاه تل أبيب، في المقابل، تنظر إيران إلى الصراع مع إسرائيل ضمن إطار عقائدي واستراتيجي واسع، إذ ترى أن وجود إسرائيل في حد ذاته يشكل امتداداً للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط، وأن دعمها لحركات المقاومة ليس فقط وظيفة جيوسياسية، بل التزام أيديولوجي.

وتعتبر طهران أن برنامجها النووي حق سيادي يندرج ضمن الاستخدامات السلمية، وأن الضغوط الغربية والإسرائيلية هي محاولة لحرمانها من التقدم العلمي والتقني، كما ترى أن امتلاك قدرات ردعية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، ضروري في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة، وتهديدات متكررة من قبل خصومها، وتصف إيران الهجمات الإسرائيلية بأنها أعمال عدوانية خارجة عن القانون الدولي، وترد عليها أحيانًا عبر وكلائها الإقليميين أو بتصريحات تصعيدية في المحافل السياسية، كما تسعى طهران إلى تثبيت ما تسميه "محور المقاومة" كخط دفاع أول في وجه إسرائيل، وتعتبر دعمها لحزب الله وسائر الفصائل المسلحة امتدادًا لسياسة الردع خارج حدودها، وتردّ إيران على محاولات العزل والضغط باستراتيجية "الصبر النشط"، التي تتضمن مزيجًا من التحمل المرحلي والمناورة السياسية والتصعيد المحسوب، وفي حين ترى طهران أن حملات الضغط القصوى لم تؤدِّ إلى تغيير سلوكها بل عززت تماسكها الداخلي، فإنها تراهن على الزمن وتبدل موازين القوى الإقليمية والدولية لصالحها، وبينما يتمسك كل طرف بسرده الخاص للأحداث وأحقيته في مواقفه، تبقى ساحة المواجهة مفتوحة على سيناريوهات متعددة، تتراوح بين التصعيد المحدود والتفاوض المرحلي، وربما اشتباك أوسع يفرض نفسه على حسابات الإقليم برمته، في صراع لا يُحسم بالضربات فحسب، بل بتوازنات النفوذ والردع والإرادة السياسية.