حين يصير الوجود السُّنّي ضحية المشاريع المتصارعة
نحن الذين نقف على قارعة الجغرافيا والتاريخ، نراقب السباق ولا نشارك، نحصي خسائر الوقت ولا نصنع حدثاً، نحمل بقايا ذاكرة أمّة كانت، ووهْم دور لم نعد نؤديه. لسنا في مركز الفعل ولا في هامشه. نحن في اللاشيء من هذا الصراع، في الهامش المهجور من معادلات القوى الكبرى التي تتصارع فوق رؤوسنا، ونحن نبتسم كأنّنا لا نُضرب، ولا يُعاد رسم حدود وجودنا ومصيرنا.
صرنا خارج الزمن، لا لأنّ الزمن سبقنا، بل لأننا توقفنا عن الرغبة في اللحاق به، وارتضينا لأنفسنا موقع "المفعول به" في معركة كلُّ أطرافها "فاعلون". لم نعد حتى أدوات، بل غنائم على الطاولة، تُوزَّع حسب توازنات الرابحين. بينما نحن، بكل بؤسنا وارتباكنا، نغرق في تمزقاتنا الصغيرة، ونفتّ عضد وحدتنا بما يكفي لتكون دماؤنا أرخص ما في السوق.
نحن السُّنّة، لسنا مشروعًا، ولا حتى شبح مشروع. لسنا جبهة، ولا حتى أطلال تحالف. نحن صوتٌ يتنازع فيه المؤذّن والطبّال، يتأرجح بين عواصم مشتتة، بعضها يزعم الحماية، وبعضها يسعى إلى الهيمنة، وبعضها لا يُحسن حتى النطق باسمنا في المحافل.
نحن الذين فشلنا في الاصطفاف حول ذواتنا، وحول مظلوميتنا، وحول حقوقنا المهدورة في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وطرابلس، ثم رُحنا نتوزع على مشاريع الغير: نُجند أنفسنا لحروب لا تخصّنا، ونهتف لقادة لا يروننا، ونرفع شعارات لا تعنينا. نهتف اليوم لهذا المعسكر، فإذا ما انهزم، هرعنا غداً نهتف لضده… كأننا لا نحمل ذاكرة ولا كرامة ولا ثوابت. تحركنا الحماسة لا الحكمة، والرغبة في الانتقام لا الرغبة في البناء.
كل المشاريع تتحرك بخُطا واثقة: المشروع الصهيوني يُرسّخ أقدامه على أنقاض القيم، والمشروع الصفوي يتمدد في خرائط الدم، والمشروع الغربي يعيد هندسة الشرق بما يوافق مصالحه... وكلّهم يجدون بيننا الوكيل والتابع والمصفّق.
أما نحن، فمبعثرون بلا قضية جامعة، ولا قيادة ملهمة، ولا رؤية مستقبلية. نعيش على هوامش المؤتمرات الدولية، نستجدي الاعتراف لا الانتصار، ونفاوض على البقاء لا على التمكين. نملك الصوت العالي والفعل الضئيل، نملك الأسى ولا نملك أدوات الرد.
هل سألنا أنفسنا: ما المشروع السُّنّي؟ من نحن؟ ماذا نريد؟ من نحن في هذا العالم؟ هل نكتفي بالفرجة أم نستفيق؟ هل ندرك أنّ خريطة الغد تُرسم اليوم، وبدمائنا؟
إنّنا بحاجة إلى مراجعة عميقة وصريحة، لا يجمّلها النفاق، ولا يداويها العتب. نحن بحاجة إلى اصطفاف حقيقي، يبدأ من فهم الذات قبل الارتماء في أحضان الغير. نحن بحاجة إلى مشروع جامع، يقف على قاعدة من الوعي والسيادة، لا من الاستتباع وردّات الفعل.
ما لم نصطف خلف أنفسنا، سنبقى مجرد أدوات في صراع الكبار… وسنظل نُقتل باسم من لا يرون فينا إلا أرقاما قابلة للصرف.
إننا في لحظة تاريخية مفصلية: إما أن نُعيد تشكيل وعينا وموقفنا وموقعنا، أو نُترك نهبًا للريح… ووقودًا في معركة لم نبدأها، ولن نربحها.
عبد العزيز الحمزة
الخميس 19 يونيو 2025