كتب / فائد دحان
عجيبٌ لهذا الشرق حين يتخاصم ، إذ لا أحد فيه بريء، ولا أحد فيه يعرف أن للدم حرمة، حتى وإن صاح باسمها.
في غزة، كانت إسرائيل تمارس هوايتها القديمة.. إسقاط الصواريخ على المنازل، دفن العائلات تحت الردم، ثم إصدار بيان عسكري بارد يقول إن "المستهدف كان موقعاً لحـ ماس".
وفي قم، كانت إيران تصرخ في كل منبر أن هذا عبث، وأن من يستهدف المدنيين إنما يعلن إفلاسه العسكري والأخلاقي معاً.
ثم.. دارت الدائرة.
في فجر الجمعة 13 يونيو 2025، أطلقت إسرائيل واحدة من أعنف الضربات الجوية في تاريخها، استهدفت خلالها 170 موقعاً عسكرياً ونووياً في عمق إيران:
منشآت نطنز
مواقع تخصيب في أصفهان
مقر وزارة الدفاع وسط طهران
خزانات وقود وطاقة
وفي أقل من 48 ساعة، أعلنت المصادر الحقوقية في طهران أن:
406 قتيلاً سقطوا حتى مساء الإثنين
بينهم 90% مدنيون، منهم أطفال ونساء
بينما تجاوز عدد الجرحى 1,481 مصاباً
وقُتل 6 قادة في الحرس الثوري، و14 عالماً نووياً
وفي مواجهة الضربات الدقيقة تلك، اختارت إيران أن ترد كما يرد المفلس حين ينفد رصاص بندقيته..
بالعشوائية.
120 صاروخاً ومسيرة سقطت على تل أبيب، بت يام، حيفا، مستهدفة شوارع وأسواقاً ومباني سكنية.
نتيجة هذا القصف:
14 قتيلاً
وجرح 390 شخصاً
وأكثر من 20 مفقوداً لا يزالون تحت الأنقاض
اشتعلت حرائق في 7 مبانٍ سكنية بحيفا وحدها
المثير للسخرية القاتلة أن إيران التي شتمت إسرائيل لعقود لأنها تستهدف مدنيي غزة، باتت تمارس ذات الجريمة وبنفس البساطة.
وفي المقابل، ها هي إسرائيل تذوق لأول مرة مذاق القصف العشوائي فوق رؤوس أبنائها.
وهنا مربط الحكاية.
من يستهدف المدنيين أيّاً كان إنما يعترف ضمنياً أنه أعجز من أن يواجه خصمه في الميدان وفق قواعد الحرب.
هو يقول بلا خجل "لا أقدر عليك، سأنال من نسائك وأطفالك."
وهي ذات القاعدة التي اتبعتها إسرائيل في غزة، وها هي تدفع ثمنها في تل أبيب اليوم.
وإيران التي كانت تلوح بآيات "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، باتت تصب صواريخها فوق رؤوس الأبرياء.
ولأن الحرب كما قيل تفضح الكذب والخوف، فقد جاءت هذه المواجهة لتقول إن الدم العربي الذي أُهدر في شوارع غزة ودم المدنيين الإيرانيين اليوم، كلاهما ضحية معركةٍ بين سياسيين فقدوا شرف الخصومة وأدب الاشتباك.
سيمضي العالم إلى اجتماعات ومجالس أمن وبيانات شجب، وستنتهي هذه الجولة.. لكن الحقيقة المؤلمة ستبقى..
فمن يعبث بدم الأبرياء، سيتذوق ذات الكأس عاجلاً أو آجلاً.
انه الشرق منذ "قابيل وهابيل" لا يزال يكرر ذات الخطيئة، ويدفع الأبرياء ثمن ذلك بأرواحهم ومقدراتهم.