آخر تحديث :السبت-21 يونيو 2025-11:36م

الإعلام ذو الوجهين: حين يتحوّل التعاطف إلى أداة تواطؤ

الأربعاء - 04 يونيو 2025 - الساعة 05:27 م
علوي الوازعي

بقلم: علوي الوازعي
- ارشيف الكاتب


يقول الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في تصريح واضح وصادم:

"لا يوجد قتال في غزة، بل جيش صهيوني يقتل النساء والأطفال."


هذه العبارة تختصر الحقيقة التي تسعى كثير من وسائل الإعلام، عن وعي أو جهل، إلى تغليفها بسرديات "الحياد المهني" أو "التوازن الموضوعي". فالمجازر التي تُرتكب في غزة ليست جزءًا من حرب بين طرفين، بل عملية إبادة ممنهجة يرتكبها أحد أكثر جيوش العالم تسليحًا ضد شعب محاصر وأعزل.


غير أن الإعلام يروّج باستمرار لفكرة أن هناك "معركة" تدور، وأن "العدو يتكبّد خسائر"، وأن هناك "توازن ردع" بين المقاومة والجيش الصهيوني. هذه الرسائل، وإن بدت منحازة لغزة ومتعاطفة مع المدنيين، إلا أنها تخدم، في عمقها، استراتيجية إسرائيل الدعائية.


فكثيرًا ما تتكرر في التغطيات عبارات من قبيل "رشقات صاروخية"، و"إعطاب دبابة"، و"خسائر في صفوف العدو"، وهي وإن بدت أخبارًا محفّزة، إلا أنها تكرّس وعيًا مشحونًا بالعاطفة والوهم، وتبني لدى الجمهور شعورًا زائفًا بـ"التوازن"، فيتعلّق المتلقي بفتات الانتصارات الرمزية، ويغرق في نشوة إعلامية تصرف الانتباه عن حجم الإبادة الحقيقية. بل ويصل الأمر إلى أن يتحوّل هذا الجمهور إلى مدافع شرس عن هذه الرواية، يرفض أي قراءة لا تُرضي عاطفته، ويصمها بالتثبيط أو الخيانة.


فحين تظهر الحرب على الشاشات كـ"قتال" لا كـ"إبادة"، تستفيد إسرائيل على صعيد الرأي العام العالمي. ذلك أن تصوير الأحداث كصراع مسلح يجعل الفعل الإسرائيلي يبدو "ردّ فعل"، ويمنحه إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا زائفًا.

وهكذا، يصبح تصوير العدوان كـ"معركة" فرصة ذهبية لإسرائيل لتقليل حدّة الانتقادات الدولية، وتخفيف الضغط السياسي والأخلاقي على حلفائها في الغرب.


المفكر الأميركي نعوم تشومسكي نبّه إلى هذا النوع من التواطؤ الناعم حين قال:


> "الرقابة الحقيقية لا تعني منع المعلومات، بل تنظيمها بحيث يخدم النظام القائم."




وفي كتابه الشهير "السيطرة على الإعلام"، يؤكّد تشومسكي أن أخطر أنواع الدعاية هي تلك التي ترتدي ثوب الحياد، فتُظهر العنف كحادثة عابرة، والصراع كقضية خلافية، لا كجريمة أخلاقية تستدعي موقفًا واضحًا.


وسائل الإعلام التي تكرّر الحديث عن "خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي"، وتستضيف محللين عسكريين يتحدثون عن "تكتيكات المواجهة"، تساهم – من حيث لا تدري أو تدري – في ترويج صورة مضلّلة عن حقيقة ما يحدث: إبادة لا قتال، ومذبحة لا معركة.


في النهاية، لا يُقاس الإعلام فقط بما يُقال، بل بما يترسّخ في وعي الجمهور. وعندما يُقدَّم الاحتلال كطرف في نزاع، لا كجلّاد يبطش، يُصبح الإعلام شريكًا في طمس الحقيقة، وواجهة لتجميل القتل الجماعي.



---


خاتمة:


في عصر تُبثّ فيه المجازر مباشرة، لم يعد التواطؤ بحاجة إلى رقابة صارمة، بل إلى سردٍ مدروس، وصياغة انتقائية تُخفي الجريمة خلف دخان "الموضوعية".

وحين يُستخدم التعاطف لتخفيف وقع الإدانة، ويُسمح للقاتل بأن يبدو كمقاتل، تصبح الكاميرا أكثر فتكًا من الرصاص.