آخر تحديث :السبت-07 يونيو 2025-12:53ص

الانقسامات داخل الصف الجمهوري .. أزمة ثقة وتحديات وطنية في مواجهة المشروع الحوثي

الثلاثاء - 03 يونيو 2025 - الساعة 11:51 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب


في خضم الأحداث المتسارعة والتصريحات المتناثرة بين الأطراف المنضوية تحت مظلة الشرعية اليمنية ، تبرز على السطح بين الفينة والأخرى موجات من التراشق الإعلامي ، ما يعكس حجم التوتر الكامن في أعماق العلاقات بين هذه القوى ، تعج وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بردود أفعال متباينة ، تمتزج فيها السخرية بالتعليل ، والهمز باللمز ، في مشهد يؤكد أن التشظي السياسي ما زال سيد الموقف ، رغم محاولات ظاهرية للانسجام .


هذا المشهد يعكس حقيقة مرة ؛ وهي أن ما يبدو من تقارب بين القوى السياسية ليس سوى تقارب شكلي ، أو انسجام سطحي ، يخفي وراءه فجوة سياسية عميقة ، تعكس انعدام الثقة واستمرار الشكوك المتبادلة في نوايا الأطراف .


إن الهجمات الإعلامية المتكررة والتذكير بالماضي بكل ما فيه من أخطاء ومواقف سلبية ، تكشف عن عجز واضح عن تجاوز عقد الماضي ، وعدم قدرة حقيقية على بناء جسور الثقة .


ليست هذه التجاذبات الداخلية وليدة فراغ ، بل إنها غالبًا ما تكون انعكاسًا واضحًا لتأثير التدخلات الخارجية ، التي أسهمت في تعميق التخندقات ، وزيادة حدة الانقسام بين المكونات السياسية والعسكرية للشرعية. فكل الأطراف أضحت مرتهنة بدرجة أو بأخرى لمحاور إقليمية ودولية ، ما أضعف من استقلالية القرار الوطني ، وأربك مسار الصراع .


إن مظاهر هذا الارتهان باتت جلية في مواقف وتصريحات كبار المسؤولين في السلطة الشرعية ، وفي مخرجات الاتفاقات الدولية مثل اتفاق ستوكهولم ، الذي مثّل أبرز الأمثلة على التدخل الخارجي ، الذي فرض على الشرعية وقف عمليات التحرير ، وتجميد التقدم نحو الحديدة ، ما أثر سلبًا على مجريات الصراع لصالح الحوثيين .


من الواضح أن القوى المنضوية تحت لواء الشرعية لم تنجح حتى الآن في بناء جبهة داخلية موحدة ، قادرة على مواجهة المشروع الحوثي بقوة وصلابة ، بل على العكس، لا تزال الفجوات تتسع ، وتبقى محاولات التقارب مجرّد مسكنات شكلية ، لا تصمد أمام أول اختبار سياسي أو إعلامي .


لقد أصبح من الضروري إعادة الاعتبار للعوامل المشتركة بين هذه القوى ، وتعزيز روح الوحدة الوطنية ، وتجاوز الحسابات الضيقة ، التي لا يستفيد منها سوى الحوثيين ، كما يجب الإقرار بأن لا طرف في هذه المعادلة يمكنه ادعاء النقاء الثوري أو الوطني الكامل ، ولا يحق لأي فصيل أن ينصّب نفسه وصيًا على الوطنية ، ويتهم غيره بالعمالة أو التبعية للخارج .


من المؤسف أن العديد من الإعلاميين والسياسيين باتوا يكرسون الانقسام من خلال حملات تشهير ، وتصعيد إعلامي ، يستند إلى مواقف قديمة أو شخصية ، ويعاد تفسير كل تصريح في ضوء تلك الخلفيات ، هذا النهج لم يعد مجرد اختلاف في الرأي ، بل أصبح أداة خطيرة تهدد تماسك الجبهة الداخلية ، وتضعف ثقة الشارع اليمني بالقوى الوطنية .


هنا تبرز مسؤولية الأقلام الحرة والنخب المثقفة في الامتناع عن تغذية الصراعات الجانبية ، والارتقاء بالخطاب الإعلامي والسياسي نحو أفق وطني جامع ، يُعلي من شأن المعركة الوطنية الكبرى ضد الحوثيين ، ويركز على الهدف الأسمى : استعادة الدولة والجمهورية .


يواجه اليمن اليوم لحظة تاريخية فارقة ، تتطلب من جميع القوى السياسية والعسكرية المنضوية تحت الشرعية أن تتعالى على الجراح ، وتؤجل صراعاتها البينية ، وتوحّد جهودها ضد الانقلاب الحوثي ؛ ذلك أن استمرار حالة الانقسام والصراع الداخلي يصبّ مباشرة في مصلحة الحوثيين ، ويطيل من أمد المعاناة الوطنية .


إن استعادة الدولة والجمهورية هي المفتاح الوحيد لحل كل المشكلات السياسية بين الأطراف ، لا انتصار سياسي حقيقي لأي طرف يمكن تحقيقه ، ولا مكاسب جماهيرية يمكن الحفاظ عليها ، طالما أن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على جزء من الوطن ، كل رهانات ما دون هزيمة المشروع الحوثي ، هي مجرد أوهام ، وكل خطاب لا يخدم المعركة الوطنية هو طعن في خاصرة الوطن .


لم يعد مقبولًا أن تبقى القوى الوطنية أسيرة صراعات الماضي ، أو رهينة لمواقف لا تخدم سوى أعداء الجمهورية ، اليمن في حاجة ماسّة إلى لمّ الشمل وتوحيد الكلمة ، وتجاوز الانقسامات، سياسيًا وإعلاميًا ، ومجتمعيًا ؛ للانطلاق نحو تحرير ما تبقى من الأرض ، واستعادة الدولة ، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في الحرية والأمن والاستقرار .


إن استعادة ما تبقى من اليمن تحت سيطرة الحوثيين ، يتطلب التضحية بالحسابات السياسية الضيقة والمكاسب الشخصية ، بتغليب المصلحة العليا ، فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين يضيعون فرص هزيمة المشروع الكهنوتي السلالي الحوثي ، وهم غارقون في تصفية حسابات بينية ، وتسجيل نقاط ضد بعضهم البعض .


عبدالواسع الفاتكي