آخر تحديث :الأربعاء-13 أغسطس 2025-11:13م

زيارة موسكو، والإعلام الموازي.

الخميس - 29 مايو 2025 - الساعة 09:17 م
د. خالد عبدالكريم

بقلم: د. خالد عبدالكريم
- ارشيف الكاتب


د. خالد عبد الكريم

في مقابل المركزية الصارمة التي تطبع تغطية الإعلام الرسمي الروسي للأحداث السياسية، تظهر طبقة أخرى من التغطية غير الصدامية، لكنها أكثر تنوعاً في الطرح والتحليل. هذه الطبقة – التي يمكن وصفها بـ”إعلام الظل الأكاديمي” – لا تنتمي إلى المعارضة، بل تنبع من داخل المؤسسات البحثية ومراكز التفكير القريبة من الدولة، وتُعنى بإنتاج قراءة أكثر عمقاً وتحليلاً للحدث، دون الخروج عن الإطار العام للسياسة الرسمية.

وقد تجلى هذا النموذج بوضوح خلال زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، إلى موسكو، حيث ترافقت التغطية الرسمية الموحدة مع طيف من الآراء التحليلية التي ظهرت في الصحف المتخصصة والمواقع ذات التوجه البحثي، لتناقش خلفيات اللقاء، مآلاته، ودلالاته الاستراتيجية، خصوصاً في ما يتعلق بالموقف من الحوثيين، ومستقبل الدور الروسي في جنوب البحر الأحمر، والعلاقات الإقليمية المتشابكة.

محور الموقف من الحوثيين

ضمن هذا الطيف، برزت تحليلات مثل تلك التي نشرها كيريل سيمينوف، مستشار مجلس الشؤون الدولية الروسي، الذي أشار إلى أن علاقات موسكو مع الحوثيين “ليست دائمًا سلسة”، لكنها تضمن لموسكو موقع الوسيط المحايد، ما يتيح لها التدخل في النزاع اليمني عند الحاجة. وهي رؤية تعكس فهماً واقعياً لطبيعة العلاقة المعقدة بين روسيا والطرف الحوثي، بعيداً عن التصنيفات المبسطة.

كما قدّم جريجوري لوكيانوف، الباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، تقييماً استراتيجياً لهذه العلاقة، موضحاً أن روسيا تحافظ على الحد الأدنى من الاتصالات مع الحوثيين من منطلق تأمين مصالحها، لا سيما في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. ويرى أن موسكو تتمتع بعلاقات متوازنة مع الحكومة المعترف بها دولياً، والحوثيين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، دون أن تنحاز بشكل واضح إلى أي طرف. ويضيف بأن روسيا لم تسعَ إلى إلغاء دور الحوثيين، بل تعتبر إدماج مطالبهم جزءاً من أي تسوية سياسية مقبلة.

ويُضاف إلى ذلك رأي مراد صادق زاده، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، الذي يعترف بشرعية المجلس الرئاسي اليمني دولياً، لكنه لا يعتبره الطرف الأقوى ميدانياً، في إشارة ضمنية إلى التعددية المعقدة للفاعلين في المشهد اليمني.

أبعاد إقليمية واستراتيجية

في بعدٍ آخر، تناول بعض المحللين أبعاداً أوسع للزيارة. فرأى سلاف تاراسوف، مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط والقوقاز، أن لقاء بوتين العليمي يأتي في إطار سعي روسيا لإعادة نفوذها إلى جنوب البحر الأحمر، وهي قراءة تربط اليمن بسياق جيوسياسي أوسع.

أما ديمتري روديونوف، رئيس مركز الدراسات الجيوسياسية، فربط الزيارة بتطورات الملف السوري، معتبراً أنها جاءت متزامنة مع رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، ما قد يُفسّر كإشارة روسية للغرب بأن لها حلفاء آخرين في المنطقة.

من جهته، عاد يوري زينين، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الروسية، إلى الماضي القريب، مذكّراً بالاستثمارات السوفيتية في مجال النفط والغاز في اليمن، مؤكداً أن “الاستقرار هو الشرط الأول لإحياء تلك المشاريع”.

تغطيات غير متوقعة… لكنها لافتة

في المقابل، قدّمت بعض وسائل الإعلام تغطية غير تقليدية للزيارة، لكنها لا تخلو من دلالة. صحيفة MSK1.RU لم تتناول الزيارة من زاوية سياسية، بل ركزت على اختناقات المرور التي تسببت بها مواكب الرسميين وسط موسكو يوم 28 مايو، حيث نشرت تقريراً مطولاً عن الازدحام في منطقة “غاردن رينغ” وشوارع وسط المدينة، لتختمه بالإشارة العابرة إلى أن هذا الاضطراب المروري تزامن مع زيارة العليمي للكرملين.

هذه المعالجة قد تُقرأ من قبل العامة كمفارقة أو تعبير ساخر عن بُعد المسؤولين عن الحياة اليومية، لكنها أيضاً تعكس طبقة أخرى من الاهتمامات الإعلامية التي لا تمرّ غالباً عبر الرصد الدبلوماسي.

تُظهر هذه الآراء التي تمثل ما يمكن تسميته بـ”إعلام الظل الأكاديمي” أن روسيا، رغم مركزية خطابها الإعلامي الرسمي، تسمح بهامش مرن من التحليل داخل الأطر الفكرية والسياسية المتحالفة معها. وهو ما يتيح قراءة أكثر واقعية لتعقيدات المشهد اليمني في السياسة الخارجية الروسية، ويدفع المهتمين نحو دراسة أعمق للرسائل المضمَنة لا المعلنة.