آخر تحديث :الإثنين-09 يونيو 2025-08:52م

بيان لا يكفي والناس تسأل: إلى متى؟

الثلاثاء - 27 مايو 2025 - الساعة 05:17 م
محمد علي رشيد النعماني

بقلم: محمد علي رشيد النعماني
- ارشيف الكاتب


تحت ضغط الشارع وأصوات الغضب عقد المجلس الانتقالي الجنوبي اجتماعاً طارئاً برئاسة الأستاذ علي عبدالله الكثيري القائم بأعمال رئيس المجلس ورئيس الجمعية الوطنية بمشاركة عدد من قيادات المجلس وأعضاء الكتلة الوزارية ومحافظ عدن الأستاذ أحمد لملس خُصص الاجتماع لمناقشة حالة الانهيار المتفاقمة في الخدمات الأساسية وتدهور قيمة العملة وتردّي الوضع الصحي والبيئي وتأخر صرف المرتبات في ظل عجز حكومي ظاهر وغياب أي مؤشرات فعلية لمعالجة هذه الكارثة التي يعيشها المواطن الجنوبي يومياً وسط صمت رسمي حكومي ومواقف مترددة من أطراف يُفترض بها أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والسياسية والأخلاقية .

لقد حمل البيان الصادر عن الاجتماع لغة صريحة تعكس وعياً بحجم المأساة وانحيازاً واضحاً لمعاناة الناس وهو أمر يُحسب للمجلس في لحظة باتت فيها المكاشفة ضرورة لا تحتمل التأجيل غير أن البيان مهما بلغت قوته لا يكفي ما لم يُترجم إلى إجراءات واضحة وملموسة تنعكس على حياة الناس سريعاً فالشارع لم يعد يحتمل المزيد من التصريحات التي لا تلامس الواقع ولا البيانات التي تعجز عن إحداث فارق حقيقي والحديث المتكرر عن "عدم الوقوف موقف المتفرج" لم يعد يُقنع الشارع ما لم يُترجم إلى تحرك ميداني نوعي يُغيّر من المعادلة القائمة .

من أبرز ما خرج به الاجتماع تشكيل لجنة طوارئ في حالة انعقاد دائم تضم ممثلين عن المجلس والحكومة والسلطة المحلية وهو توجه إيجابي من حيث المبدأ لكنه سيظل عرضة للتشكيك المشروع إن لم يُرافقه إعلان آلية عمل واضحة وصلاحيات تنفيذية مباشرة وموازنات تشغيلية محددة فعقول الناس لم تعد تتقبل تشكيل لجان لا يظهر أثرها إلا في وسائل الإعلام المواطن الجنوبي سئم من هذه الصيغ الإدارية الشكلية التي لا تعالج جوهر الأزمات ولا تُسهم في استعادة الثقة التي أصبحت شبه مفقودة .

من الخطوات التي وردت في البيان كذلك التوجه نحو مخاطبة المجتمع الدولي بما في ذلك مجلس الأمن والمبعوث الأممي والدول الراعية للعملية السياسية لوضعهم أمام مسؤولياتهم إزاء الوضع الإنساني والمعيشي في الجنوب هذه الخطوة تعبّر عن محاولة لتدويل المأساة وكسر حاجز الصمت الدولي لكنها تبقى قاصرة ما لم تترافق مع تحركات داخلية فاعلة تبرهن على أن الجنوب ليس مجرد ضحية بل طرف قادر على إدارة شؤونه وتقديم نموذج ناجح في الحكم المحلي والخدمة العامة فالعالم لا يحترم إلا من يفرض احترامه داخلياً أولاً ولا يتفاعل إلا مع مشاريع قابلة للبناء لا مع شكاوى متكررة بلا حلول .

من المؤشرات الرمزية التي قد تُقرأ ايجابياً أيضاً ما صدر عن الاجتماع من توصية بإلغاء الفعاليات السياسية والاحتفالية غير الضرورية وتوجيه عائداتها لدعم الجانب الإنساني وهذا الموقف يبدو أخلاقياً وإنسانياً لكنه في الوقت نفسه يعكس نفاد الموارد وغياب خطط الطوارئ وهو ما يُوجب على المجلس الإنتقالي الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال إعلان خطة تقشفية شاملة تشمل النفقات التشغيلية للمكاتب الإدارية للمجلس والسلطات المحلية وإعادة ترتيب الأولويات لضمان توجيه الموارد نحو الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والأمن الغذائي فالشارع الجنوبي اليوم لا يطلب تعاطفاً لفظياً بل خطوات جريئة تعيد الثقة بالمؤسسات وتضع حداً لحالة الانهيار .

ومن أبرز المقترحات العملية التي يجب العمل عليها فوراً : إعلان موازنة طوارئ شهرية للمرافق الخدمية تبدأ بالكهرباء باعتبارها الأزمة الأكثر إلحاحاً تُدار بشفافية عبر لجنة رقابة مالية مستقلة كما يجب اتخاذ خطوات عاجلة لصرف جزئي ومنتظم لمرتبات الموظفين ولو عبر تسهيلات مصرفية أو دعم دولي مباشر بالتوازي مع تفعيل خط تواصل مباشر مع المواطن عبر نشر تقارير يومية عن أداء لجنة الطوارئ لتعزيز الثقة وإشراك منظمات المجتمع المدني في مراقبة الأداء وتقييم الخطط حتى لا تبقى المتابعة حكراً على الأجهزة الرسمية التي تعاني غالباً من القصور أو غياب المبادرة .

خلاصة القول إن المجلس الانتقالي الجنوبي وقد مُنح تفويضاً شعبياً حقيقياً بات مطالباً اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحويل هذا التفويض إلى أفعال لا خطابات الأزمة في الجنوب لم تعد سياسية فحسب بل باتت وجودية وإنسانية المواطن الذي خرج مطالباً باستعادة دولته لا يقبل أن تتحول قضيته إلى ورقة تفاوضية بينما تتآكل حياته بين انقطاع الكهرباء وتراكم القمامة وغياب الماء والدواء والغذاء فاللحظة الراهنة تتطلب قرارات استثنائية وجرأة في المواجهة واستعداداً لتحمّل المسؤولية الكاملة أمام الشعب قبل أن ينفجر صبر الناس ويصبح الغضب عارماً ويفقد المجلس ما تبقى من مصداقيته والصمت لم يعد خياراً ولم يعد بوسع الجنوبيين الانتظار فالتدهور يسبق الوعود ومن هنا فإن كل يوم يمر دون إجراء حاسم هو يوم تُفقد فيه فرصة إنقاذ ما يمكن إنقاذه فهل يفعلها المجلس هذه المرة؟