آخر تحديث :الجمعة-22 أغسطس 2025-01:33ص

مكتبة الكلمة.. دفاع عن الكلمة..

الجمعة - 23 مايو 2025 - الساعة 12:47 ص
د. عبدالحكيم باقيس

بقلم: د. عبدالحكيم باقيس
- ارشيف الكاتب



قبل سبعة أعوام كتبت مقالا بعنوان "مدينة بلا كتاب" وختمته بعبارة "مدينة بلا مكتبات جديرة بأن تسكنها الأشباح" ومنذ ذلك الوقت والأشباح تحيط بكل شعاع من ضوء يحاول أن يومض من وسط عتمتنا الكارثية باتجاه المستقبل، كل الحصون تتهاوى، بداية بالتعليم بكل مستوياته، وليس نهاية بالمؤسسات الثقافية العاجزة حتى انتشال نفسها، فضلا عن غياب تبني المشروعات الثقافية وحماية ما تبقى منها، ذلك واقع الحال الذي لا يمكن إنكاره، ولم تعد المعرفة والإنتاج الفكري أو العلمي في كل مستوياته من شواغل أحد هنا، حتى الأسرة المتوسطة الحال، بفعل الحرب وما أنتجته من تشوهات سياسية واقتصادية شُغلت في هذه العشر سنوات العجاف بتأمين طعامها في ملحمة حياتها الوجودية التي تتكرر كل يوم في ظل واقع عبثي وحشي مرعب لم يعد صناعه يخجلون من شيء، وعلى الرغم من كل ذلك، ستجد وسط هذه العتمة من يصنع وميضًا من نور، أناس عاديون، من أمثال صديقي خالد عبدالرحمن الحضرمي، صاحب مكتبة الكلمة في عدن، يحاول أن ينفذ إلى القارئ بكل إصرار ووعي بأهمية وجود المكتبة في وسط حياتنا العدنية المزدحمة بألوان من المعاناة والشقاء، عالم مقلوب، يطالب فيه أساتذة الجامعة بما يعادل راتب جندي، لكنهم لا يكفون مع تلامذتهم في البحث عن كتاب، يرتاد أكثرهم هذه المكتبة المتميزة بكتبها وبشاشة أصحابها، وإذا مررت يومًا بخورمكسر، في ما يطلق عليه منطقة "الشابات" ذات الدلالة الرومانسية بعد تحويرها من كلمة التسوق الإنجليزية في عهد مديني كوزمومبوليتاني سلف، أو ساحة العروض، بحسب التسمية الثورية، حيث كانت ساحة للاستعراضات العسكرية والخطابات الجماهيرية في عهد الدولة الوطنية في جنوب ما بعد الاستقلال في الزمن البروليتاري، والتي تحولت إلى ساحة للاحتجاج وصناعة الشعارات والمطالبة بالحرية في العقود الأخيرة، أقول: إذا مررت بهذا المكان الذي تشد إليه أشطان أزمنة عديدة بكل تحولاته، وقررت أن تزور مكتبة الكلمة القابعة في طرف أقصى اليمين جنوبًا، ربما تجد صاحبها ينتزعك من كآبة المشهد بابتسامة لطيفة مرحبًا ومحتفيًا، ويناقشك بتواضع جم عن أحدث الإصدارات، ويقودك إلى رفوف كانت ممتلئة بالكتب، تقلصت إلى جدار من كتب محتشدة، كأنها آخر سور في حصن عتيد، حيث الكتب في شتى العلوم الإنسانية، وإذا كنت من محبي القراءة، بحق، لن تخرج إلا وبيدك كتاب، لا أدري أيهما تعلق بعنق الآخر، أأنت أم الكتاب؟!.

مكتبة الكلمة واحدة من مكتبات أهلية قليلة جدًا تقاوم الفناء، وتحاول أن تصمد في تقديم خدماتها الثقافية في ظل هذه الأوضاع المقلوبة، ولا أظن أنها تحقق أرباحًا تضمن لها الاستمرار، والأنكى أنها مطالبة بدفع ضرائب وجبايات بسبب لعنة المكان، وأخشى أن ينفد صبر صاحبي ذات يوم ويقوم بتحويل نشاطها إلى ما يدر عليه الربح مثل محلات بيع الكهربائيات وخدمات الهواتف وربما العسل أو غيرها مما يحقق ربحًا نسبيًا أفضل من بيع الكتب، وكم تمنيت أن يكون هناك قرار من السلطات المحلية في عدن بإعفاء المكتبات الأهلية في عدن من أية جبايات، فضلا عن تقديم الدعم لها من أجل استمرار وجودها، وأظن عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فتخيلوا لو أنها أغلقت أبوابها أو غيرت من نشاطها.

ومن أجل ذلك ستبقى الكلمة شرف الإنسان، بحسب تعبير كاتبنا الكبير عبدالرحمن الشرقاوي، ويكفي هنا أن نشير إلى مشكلة غياب المكتبات وتراجعها في عدن، والحديث عن ذلك ليس مفارقة لمشكلات الواقع الأكثر رعبًا واختلالًا، وإنما لأنه أحد أوجه الرعب والاختلالات التي تنذر بمستقبل مخيف!.

حقًا مدينة بلا مكتبات جديرة بأن تسكنها الأشباح!..