آخر تحديث :الجمعة-27 يونيو 2025-04:31م

ذكرياتُ اللبنِ المسكوبِ:

الثلاثاء - 20 مايو 2025 - الساعة 08:51 م
أبو الحسنين محسن معيض

بقلم: أبو الحسنين محسن معيض
- ارشيف الكاتب


1- كنا خريجي الثانويةِ للعامِ الدراسي 80/81 نؤدي واجبَ الخدمةِ العسكريةِ. وكنتُ أحدَ مجندي لواءِ باصهيب في معسكر مُرَّةَ بشبوةَ. وفي عصرِ أحدِ الأيامِ خرجتُ مع رفيقي الخدمةِ علي محسن لقرز ومبارك سالم حيدرة نتجولُ خارجَ حدودِ المعسكرِ، لنفاجأ ونحن محتبون في الصحراءِ بضابطين من الكتيبةِ قد أقبلا علينا وهما يتمتمان بكلماتٍ غاضبةٍ.. ثم يمليان الأمرَ الصارمَ علينا بالجري السريع نحو المعسكرِ الذي يبعدُ بما يزيدُ عن 2 كيلو.. لقد تأخرنا ولم نراعِ الوقتَ.. وكانت الساعةُ قَدِ اقتربت من السادسةِ، بينما موعدُ توكةِ العشاءِ الخامسةُ. ولما فقدونا خرجَ الضابطان (مرتعة والشيخ سالم) في أثرِنا، ومعاقبتنا بالجري السريعِ أولا.. ثم أمر القائدُ (بدر) بتوزيعِ كل واحدٍ منا على سريةٍ مختلفةٍ، حراسةً ليليةً كاملةً.. وكانت البوابةُ واستلامُ الإشارةِ والتبليغُ عقوبتي. وطوالَ الليلِ كُلَّمَا رأيتُ سراجَ سيارةٍ من بعيدٍ أبلغتُ به السرايا. ثم استلمت برقيةً مشفرةً من قيادةِ اللواء. وفككت شفرتَها وفقا لما تعلمناه. وكان مضمونها "سوف تمر فوقكم في تمام الساعة.... من يوم.... طائرة مدنية متجهة نحو..... عليكم عدم التعرض لها". - تذكرتُ هذا وسماءُ شبوةَ منذ المغربِ وحتى الساعة يعجُ بالطائراتِ الحربية. أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وعلَامَ أمسينا؟. أصبحت سماؤنا بوابةً مفتوحةً وأرضُنا مستباحةً. لم نعد دولةً ذاتَ سيادةٍ، ولا نملك جيشا مؤهلا له الريادة، ولم يعد ضباطُه قيادةً ولا جُندُه قادةً. ومن يَهِن يسهل الهوانُ عليه يا سادة.

2- في دوري اللواءِ بلغت كتيبتُنا النهائي، وستقامُ المباراةُ في عتق، وطالَ انتظارُنا في معسكرِ مُرَّةَ، وخشينا فواتَ الوقتِ! فسألنا عن السبب! فأخبرونا أنَّ قائدَ الكتيبةِ قررَ حضورَ النهائي، ولا يستطيعُ تركَ موقعِهِ دون إذنٍ له من القيادة. وهو ما تحققَ فيما بعد وقد غمرنا يأسٌ من المشاركةِ في النهائي.

- اليوم هل مازال هذا ساريا.. التسلسلُ القيادي! الانضباطُ الإداري! لوائحُ القانونِ العسكري؟! أم إن كل قائدٍ وجندي يدخلُ ويخرجُ كما يشتهي؟. فإذا أحتاجوه لم يجدوه! ولم يدروا كذلك أين سيجدوه.

- وفي سمرٍ جماعي مع قائدِ كتيبةِ النقل أخبرنا عن مشاركتِه ضمن قواتِ بلادنا في لبنانَ 1976. وقد تمَّ تحديدُ مربعٍ جغرافي ليقوموا بواجبهم الامني فيه. وكان غيرَ بعيدٍ منه موقعُ قوةِ دولةٍ عربيةٍ أخرى. وكانت قوةً غيرَ منضبطةٍ، يتعاملون مع الناس بخشونةٍ وبتصرفاتٍ غيرِ أخلاقيةٍ مع الفتياتِ. فقالَ وفي يومٍ وقبلَ المغربِ تفاجأنا بفتاةٍ تركضُ نحو موقعنا وخلفها جيبٌ عسكري، فاتخذنا الاستعدادَ اللازمَ لأي طارئ.. ووصلت الفتاةُ تلهث صارخةً "بعرضكم احموني.. استروا عليا.. هذولا الوحوش بدهم يغتصبوني". يقول "وشرفِ الثورةِ"! ما هي إلا أن أكملت كلماتِهَا حتى توجه سلاحُ كلِّ فردٍ منا نحو الجيبِ.. ولولا الأمرُ الصارمُ من قائدِنا بعدمِ اطلاقِ النارِ لاخترق سلاحُنا الخفيفِ والمتوسطِ أجسادَهم. وتقهقر الجيبُ بمن فيه بعد أن رأى أمامَه رجالا ما عَهِدَ أن يتعاملَ مع مثلِهِم في سابقِ أيَّامِه العسكريةِ. فحظينا بعدها باحترامِ مربعنا والمربعاتِ الأخرى، حتى أنَّهم باتوا يثقون فينا ثقة راسخةً.. فكانوا يعزموننا ونتناولُ معهم الطعامَ في منازلِهم.. وهو ما لم يفعلوه مطلقا مع أي قوةٍ عربيةٍ أُخرى.

- واليوم الإهاناتُ تنهمرُ صبا على قادتِنا سياسيا وعسكريا وأمنيا. ومِمَّن؟. مِنْ سفيرٍ أو غفيرٍ، او من ضابطٍ أجنبي غِرٍ أو مدير، أو من شيخٍ أو أميرٍ. فقدت قواتُنا ورجالُها الثقةَ فيهم وفي نخوتِهم واستعدادِهِم التلقائي للدفاعِ عن سيادةِ أرضِهم وحمايةِ أهلِهم وحفظِ حقوقِهم وصونِ خيراتِ بلادِهم وثرواتِ وطنِهِم.

أبو الحسنين محسن معيض