آخر تحديث :الثلاثاء-01 يوليو 2025-01:44م

الوعي … مفتاح خلاص اليمن من الفساد وفقدان الثقة.

الإثنين - 12 مايو 2025 - الساعة 10:58 ص
د. عارف محمد عباد السقاف

بقلم: د. عارف محمد عباد السقاف
- ارشيف الكاتب


بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف


في ظل واقع مأزوم يعاني فيه اليمني من تدهور اقتصادي، وانفلات أمني، وتراجع الخدمات، برزت ظاهرة مقلقة تكاد تفتك بنسيج المجتمع اليمني، ألا وهي فقدان الثقة الشامل، حتى أصبح المواطن ينظر إلى كل مسؤول أو موظف أو ناشط بعين الشك والاتهام. صارت عبارة "كلهم سرق" لازمة يومية تقال في المجالس والأسواق ومواقع التواصل، مما يدل على تفشي الإحباط وغياب الأمل في الإصلاح، لا في مؤسسات الدولة فحسب، بل حتى في إمكانية إصلاح الذات والمجتمع.


هذه الظاهرة، التي يسود فيها التخوين وينتشر فيها اليأس، هي في جوهرها نتاج غياب الوعي المجتمعي. فحين يضعف وعي الشعوب، تكثر الاتهامات، وتضيع الحقائق، ويصبح التعميم هو القاعدة، ويهدر الصالحون وسط طوفان من الظنون.

لقد أصبح الفساد في اليمن عدوا مشتركا ينهش جسد الدولة، ويضاعف معاناة المواطن، ويصادر أبسط حقوقه في الكهرباء والماء والصحة والتعليم. لكن المشكلة الأعمق ليست في الفساد ذاته فقط، بل في عجز الشعب عن التمييز بين من يمارس الفساد ومن يحاربه، وغياب الإرادة الجمعية المنظمة لمكافحته، بسبب تغلغل ثقافة الاتهام والتخوين، وانتشار خطاب اللامسؤولية.

إن ما يحتاجه الشعب اليمني اليوم ليس فقط التنديد بالفساد، بل الوعي العميق بأسباب الفساد وآلياته وطرق مقاومته. فبغير الوعي، لا يمكن أن يبنى موقف موحد، ولا يمكن التمييز بين الفاسد والنزيه، ولا يمكن مساءلة المسؤولين بطرق سلمية وفاعلة.


الوعي يعني أن يعرف المواطن دوره، وحقوقه، ووسائل المطالبة بها. الوعي يعني أن لا ينجر وراء الشائعات، ولا يعمم الاتهامات، ولا يشارك في اغتيال الشخصيات الوطنية بمجرد السماع. الوعي يعني أن يكون المواطن قادرا على التمييز بين المعارض الشريف والانتهازي، وبين المسؤول الصادق والفاسد المتخفي.

من هنا، فإن أولى خطوات الخروج من دوامة الفساد واليأس هي توحيد الصف الشعبي. وهذا التوحيد لا يعني الاصطفاف خلف جهة أو فصيل، بل يعني الوقوف صفا واحدا في وجه كل من يعبث بمقدرات الشعب، أيا كان موقعه أو انتماؤه. فالمعركة اليوم لم تعد سياسية بقدر ما هي أخلاقية ووطنية، معركة ضد التلاعب بمعيشة الناس، وتكريس الفقر، والتغاضي عن معاناة الشعب.


إن توحيد الصف لا يتحقق إلا بالوعي، والوعي لا ينمو إلا بالتثقيف والحوار والانفتاح، وبتشجيع القدوات النزيهة بدل شيطنتها، وبفتح مساحات للمساءلة المجتمعية بدل الاتكاء على الشعارات الجوفاء.

إذا أراد الشعب اليمني الخلاص من الفساد، فعليه أن يبدأ بإعادة بناء الثقة بينه وبين ذاته أولا، ثم بينه وبين من يمثلونه. عليه أن يعيد الاعتبار للضمير الجمعي، ويكف عن جلد ذاته، ويزرع الأمل في الإصلاح التدريجي من القاعدة إلى القمة. فالمستقبل لا يبنى بالتخوين، بل بالتعاون، ولا باليأس، بل بالوعي والإرادة المشتركة.