في قلب عدن، حيث يتنفس الهواء عبق التاريخ وتلامس أمواج البحر شواطئ الصبر، انبعثت اليوم أصوات ليست ككل الأصوات. لم تكن هتافات سياسية معتادة، ولا شعارات صراع مرير، بل كانت صرخة الحياة ذاتها، تطلقها حرائر المدينة، أمهات وبنات وأخوات، خرجن يحملن هموم البيوت الخاوية والبطون الجائعة، إلى ساحة العروض التي شهدت يوماً أفراحاً واحتفالات.
تحت شمس عدن اللاهبة، التي تشهد على قسوة الأيام، وقفت نساء المدينة، بوجوه تحمل آثار التعب وقصص الصمود. لم يخرجن طلباً لترف أو رفاهية، بل للمطالبة بأبسط مقومات العيش الكريم: قطرة ماء تروي عطش الأبناء، شعاع كهرباء يضيء عتمة الليالي الطويلة، ورغيف خبز لم يعد في متناول الأيدي بفعل أسعار ترتفع كجدار قاتل يسد آفاق الأمل.
كانت لافتاتهن بسيطة، لكن معانيها عميقة كبحر عدن. كلمات قليلة تلخص معاناة يومية لا تنتهي: "نريد كهرباء"، "نريد ماء"، "الأسعار تقتلنا". وفي عيونهن، حكاية صبر نفد، وقوة تتجلى في لحظة المواجهة هذه. إنهن لسن مجرد متظاهرات، بل هن حارسات البيوت، صانعات الحياة، اللواتي يواجهن اليوم عبء البقاء على قيد الحياة في ظل غياب الدولة وتخلي المسؤولين.
خروجهن اليوم ليس مجرد حدث عابر، بل هو رسالة مدوية. رسالة بأن الصبر له حدود، وأن كرامة الإنسان ليست سلعة يمكن التخلي عنها. إنهن يمثلن صوت الشارع الحقيقي، صوت الأغلبية الصامتة التي تدفع الثمن الأكبر للصراعات والفساد والإهمال.
في ساحة العروض، اختلطت أصواتهن بنسيم البحر، لتصل إلى كل من له أذن تسمع وقلب يعي. إنه نداء استغاثة، ومطالبة بحق طبيعي وإنساني. حرائر عدن، اللواتي كن يوماً رمزاً للأناقة والحياة، أصبحن اليوم رمزاً للصمود في وجه القسوة، وللمطالبة بحياة كريمة يستحقها كل مواطن في هذه المدينة العريقة.
ليست هذه مظاهرة سياسية بالمعنى الضيق، بل هي انتفاضة كرامة، تذكر الجميع بأن أساس أي استقرار أو سلام هو توفير الحياة الكريمة للمواطنين. فهل تصل صرخة حرائر عدن إلى آذان صاغية، قبل أن يبتلع الظلام والعوز ما تبقى من نور في هذه المدينة الصابرة؟
علوي سلمان