في حضرموت، حيث تُسطّر ملاحم الكفاح بالصبر والرصاص، وحيث لا تزال الذاكرة الجماعية تحفظ أسماء من قاتلوا ليحيا الوطن، تأتي الذكرى التاسعة لتحرير الساحل لتكشف مجددًا هشاشة الوفاء لدى بعض من يتسيّدون المشهد اليوم بلا استحقاق ولا جذور.
اللواء الركن عبدالرحيم أحمد عتيق، رجل من زمن آخر، زمن المبادئ لا المصالح، أحد أقدم القادة العسكريين الحضارم، ومؤسس النخبة الحضرمية، وقائد المنطقة العسكرية الثانية إبّان لحظة الانتصار الكبرى في أبريل 2016. تجاهلته قيادات اليوم وكأن ذاكرة النضال قد مُسحت، وكأن تاريخه المشرف بات عبئًا ثقيلًا على من لا يملكون ما يوازيه من شرف أو تجربة.
لم يكن الرجل يومًا من الباحثين عن الأضواء، ولا ممن باعوا أنفسهم على موائد التحالف أو غرف تمويل المليشيات، بل اختار الصمت بعد أن أدّى ما عليه للوطن. تسع سنوات قضاها بعيدًا عن الواجهة، لم يزاحم على منصب، ولم يركض خلف ما تساقط من فتات النفوذ. ومع ذلك، تُرك هذا الهرم العسكري والتاريخي دون دعوة، دون تكريم، دون حتى كلمة شكر في احتفال يُفترض أنه يُكرم رجالات التحرير!
لكن وسط هذا التواطؤ بالنسيان، وقفت مرجعية قبائل حضرموت وقفة رجال، حين ذهبت إلى منزل اللواء عبدالرحيم عتيق، تقديرًا وعرفانًا، ومعها رموز ومقادمة ومشايخ لا يزالون يحمِلون شرف الوفاء. كما سجّل الصحفي القدير علوي بن سميط موقفًا مشرفًا بزيارته، حين صمت الإعلام الرسمي وامتلأت المنصات بصور النرجسيين الذين صدّقوا أنفسهم “أبطالًا” وهم بالكاد شهود زور على لحظة صنعها غيرهم.
ولا يفوتنا هنا أن نوجّه تحية خاصة إلى الصحفي العسكري الكبير، العميد علي منصور مقراط، الذي كتب كلماته الصادقة في توقيتها ومضمونها، وسلط الضوء على هذا التجاهل المخزي لقامة وطنية بحجم اللواء عبدالرحيم عتيق.
مقراط لم يكتب مقالة عابرة، بل وثّق لحظة من الإنصاف النادر في زمن ضاعت فيه معايير الوفاء وتُركت ذاكرة النضال للمجهول.
الدرس الأهم هنا أن الوفاء لا يُعلّق على المنصات ولا يُشترى بمال الاحتفالات. الوفاء يُقاس بموقفك من الرجال الذين صنعوا التاريخ، لا بمن حضر في الصور وتزاحم في ميكروفونات الخُطب.
قيادات الغفلة التي تتناسى الرجال الحقيقيين، هي نفسها التي ستُنسى غدًا، لأن الشعوب لا تحفظ إلا من خدمها لا من تاجر بها.
تحية للواء عبدالرحيم عتيق…
وتحية لمن لا يزالون أوفياء في زمن جحود الجماهير والسلطة.
من حضرمتك يبدأ المجد، ومن نسيانك يبدأ السقوط الأخلاقي
اللواء الركن : سعيد الحريري