في 18 أبريل 2025، عاد اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والمحافظ الأسبق لحضرموت، إلى مدينة المكلا بعد رحلة علاجية ناجحة في الإمارات، مستقراً في الأجواء المتوترة التي تشهدها المحافظة بين مكونات سياسية وعسكرية عدة، حيث تصدّرت زيارة بن بريك المشهد السياسي تنبيهاً إلى دوره الفاعل في ملء فراغ القيادة وتوحيد الصف الحضرمي.
يبدو أن عودته أثارت تساؤلات حول مسار الصراع الداخلي بين مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت من جهة، وقوات النخبة الحضرمية الموالية للانتقالي ومنطقة الجيش الثانية من جهة أخرى، عبر دعوتين مفتوحتين للحوار والمشاركة الواسعة، يراهن بن بريك على استثمار الفعالية المرتقبة “حضرموت أولاً” في 24 أبريل لتجديد الثقة الشعبية وحشد الدعم، بينما يظل لغز كيفية تجاوز التوترات القبلية والإقليمية عاملاً فاصلاً في تحديد نتائج تلك العودة .
فالجميع يعرف ان حضرموت تزخر بثروات نفطية وغازية هائلة جعلتها ساحة تنازع بين مكونات محلية تتقاسم النفوذ والإيرادات، في حين بقيت الخدمات والتنمية في أدنى مستوياتها مقارنةً بإمكاناتها الضخمة، من مؤتمر حضرموت الجامع إلى حلف قبائل حضرموت، تطالب تلك القوى بمزيد من الحصة والقرار الإقليمي، مقابل تعزيز الانتقالي الجنوبي لدوره الأمني عبر النخبة الحضرمية وقوات المنطقة العسكرية الثانية، ما زاد الاحتقان وأعاد سيناريوهات الانقسام إلى الواجهة .
بعد أن تحولت بعض المطالب أولياً لخدمات أفضل وأمن محترم إلى دعوات واضحة للحكم الذاتي أو الانفصال ضمن المشروع الجنوبي، ما جعل الحوار بين الشرائح السياسية صعباً، وأوقف تنفيذ بنود مصفوفة 7 يناير المتعلقة بتوزيع الإيرادات وتنمية المحافظة .
جاءت عودة اللواء بن بريك قبيل مليونية “حضرموت أولاً” التي دعا لها الانتقالي في 24 أبريل، إحياءً لذكرى تحرير الساحل من القاعدة عام 2016، في محاولة لترسيخ حضور الانتقالي كحاضن وحامي للأمن والاستقرار الجنوبي .
في أول لقاءاته، التقى بن بريك بقائد المنطقة العسكرية الثانية والعميد مطيع المنهالي، مؤكدين أهمية النخبة الحضرمية كمظلة أمنية جامعة لجميع القبائل والاتجاهات، وداعين رجال المال والأعمال لدعم جهود التنمية لتعزيز التلاحم الاجتماعي .
لقد شهد اجتماع بن بريك مع المحافظ مبخوت بن ماضي توافقاً على ضرورة إشراك الجميع في القرار والمحافظة على المكتسبات الأمنية منذ 2016، هدفه طمأنة الشارع وتقليص هوامش الاحتقان السياسي .
لذا يعوّل الانتقالي الجنوبي على الحشد المتوقع في فعالية 24 أبريل لترجمة الزخم الشعبي إلى مكاسب تفاوضية في التسوية اليمنية، مستنداً على الحضور القوي لبن بريك كشخصية قيادية محببة لدى الشارع الحضرمي.
لذا ترتبط حركة بن بريك باتصالات مع لاعبين إقليميين، خصوصاً الإمارات، مما يثير مخاوف القوى المحلية من استخدام حضرموت كمنصة للتأثير الخارجي، ويستلزم ضبطاً من مجلس القيادة الرئاسي لتفادي انزلاقها إلى مليشيات موازية للدولة .
إذا ما فشلت مبادرات الحوار الشامل مع مؤتمر حضرموت وحلف القبائل، قد تتجدد مشاريع تشكيل فصائل مسلحة قبلية أو إقليمية، كما حدث عام 2017 حين نشطت احتجاجات ضد النخبة وأعادت المشهد إلى مربع الفوضى مدفوعة بمزاعم التهميش .
لذا تشكل عودة اللواء أحمد سعيد بن بريك فرصة استثنائية لإعادة ترتيب أوراق حضرموت على أساس وحدة الصف وتعزيز الاستقرار، لكن محفوفة بمخاطر تصاعد التوترات السياسية والقبلية، إن نجاح الخطوة يعتمد بالأساس على انفتاح الانتقالي ومحافظ المحافظة على حوار حقيقي مع كافة المكونات، وعلى قدرة المجلس الرئاسي والحكومة على دعم هذا المسار بروح الشراكة، لضمان ألا تتحول عودة بن بريك من نفَسٍ جديد إلى شرارة تعيد إحياء الخصومات القديمة.