آخر تحديث :الأحد-20 يوليو 2025-07:21م

طُوْفان الأقصى... مصابرةٌ أم مغامرة؟!

الإثنين - 07 أبريل 2025 - الساعة 08:16 م
نادر سعد العُمَري

بقلم: نادر سعد العُمَري
- ارشيف الكاتب


يطرح بعض كُتّاب الرأي بين حين وآخر في الوطن العربي وجهات نظر مختلفة حول أحداث غزة، بين مؤيد لعملية طوفان الأقصى، ومنتقد لها، وبين من يراها جهادًا ومصابرة، ومن يراها مغامرة أو مؤامرة، ولكن الحكم النهائي من الوجهة التاريخية نحتاج فيه إلى اكتمال المشهد، ومعرفة المآلات والنتائج، وهذا يستغرق عمر جيل كامل وأكثر، ومؤرخو الجيل القادم أسعد حظًّا منا بذلك.

وتبقى الآراء التي نطرحها تجاه هذه الأحداث وغيرها، مجرد أفكار ورؤىً شخصية، تنطلق من قراءتنا المبنية على أدواتنا المعرفية القاصرة، أو اتجاهاتنا الفكرية، وقناعاتنا التي تربينا عليها، وهي قابلة للنقد، وليست أحكامًا تاريخية وحِكمًا مستقرة.


وفي السطور الآتية، سأطرح نقاطًا ينبغي أن يتأمل فيها الإخوة الناقمون على موقف المقاومة في قطاع غزة، الذين يرون في المشهد مغامرة غير محسوبة العواقب، ويحملون فيها الفصائل المسؤولية عن إجرام الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطـيني أرضًا وشعبًا، لأنهم (حسب رأيهم) وفَّروا لهذا الكيان الذريعة لاقترافه هذه الجرائم. وأرجو من المنصفين والعقلاء من ناقدي المقاومة اعتبار هذه النقاط، والتفكير فيها عند الحكم على ما يجري في قطاع غزة، وقبل إجابتهم على السؤال المطروح في عنوان المقال، وتتلخص فيما يلي:


أولًا: أنه بعد انسحاب الكيان الإسرائيلي من قطاع غزة سنة 2005م، جرت انتخابات فازت فيها حركة حماس بالأغلبية، وسارت الأمور على ما يرام في البداية، لكن اختلاف الرؤية جرّ إلى الخلاف، فالسلطة في حركة فتح رأت في اتفاقية أوسلو حلًّا نهائيا للقضية، وفي الضفة والقطاع أرضًا للدولة، وبقيت قضية اللاجئين والقدس الشرقية والمستوطنات في الضفة أمورًا معلقة، وهو ما لا تراه حركات حماس والجهاد الإسلامي، إلى جانب رفض عضوية حماس في منظمة التحرير، ثم مضايقة أجهزة الأمن الوقائي للمقاومة قيادةً وشبابًا، ومحاولة الإطاحة بالحركة من البرلمان، وهذا جرَّ حركة حمـاس إلى المواجهة مع أجهزة السلطة سنة 2007م والسيطرة الكلية على القطاع.


ثانيًا: أن حركات المقاومة في القطاع ذهبت إلى إيران مضطرة بعد أن تيقنت أنه لا فائدة ترجى من الأنظمة العربية التي تدور مع سلطة رام الله في فلك واحد، وأغلب هذه الأنظمة ترى في اتفاقيات أوسلو والمبادرة العربية حلًّا تتخلص به من إزعاج القضية، وتتعامل بانحياز ظاهر ضد الحركة وتوجهها المقاوم، ورؤيتها المبدئية بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وهي الرؤية نفسها التي كان العرب ومنظمة التحرير يتبنونها قبل اتفاقية أوسلو الأولى.


ثالثًا: أن انسحاب الكيان الإسرائيلي من القطاع سنة 2005م لم يكن التزامًا من شارون باتفاقية أوسلو، وإنما كان فك ارتباط من طرف واحد هو الطرف الإسرائيلي؛ لأن القطاع كان مزعجًا جدًّا من الناحية الأمنية، وكان يشكِّل عبئًا ثقيلًا على الكيان، حتى إن شارون كان يتمنى أن يستيقظ من نومه وقد ابتلع البحر قطاع غزة، والدليل على ذلك أنه عند انسحابه من القطاع لم يأمر بإخلاء المستوطنات في الضفة الغربية، وظلت السلطة مكبلة في رام الله، رغم مرور سنتين بين انسحاب الكيان من القطاع وسيطرة حماس عليه.


رابعًا: أن عملية طُوْفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م لم تحدث في جو يسوده الاستقرار والسلام، وإنما سبقتها أحداث استفزازية في القطاع وفي الضفة، وفي الشهرين السابقين لهذا الحدث استشهد أكثر من 250 فلسطينيًّا بأيدي جنود الكيان، وكان كَهَنة اليهود يستعدون لذبح البقرة الحمراء التي أحضروها من أمريكا خصيصًا لبدء خطوات هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم. فضلًا عن التسارع السياسي العربي للتطبيع مع الكيان، والحديث عن صفقة القرن، وسعي الكيان مع بعض الدول العربية والأوربية إلى إنشاء ميناء تجاري يمتد من شمال القطاع إلى عسقلان، وقد عرض نتنياهو خريطة هذا المشروع قبل شهر واحد من طوفان الأقصى، مما يهدد القضية الفلسطينية والمقاومة وقطاع غزة تهديدًا وجوديًّا، فرأت قيادة المقاومة ضرورة التحرك بعملية عسكرية لإعادة القضية إلى الواجهة، وقلب الطاولة على هذه المشاريع.


خامسًا: كانت خطة المقاومة في عملية 7 أكتوبر هي القيام بعملية محدودة في حدود القطاع للحصول على أسرى من جنود الكيان، والمقايضة بهم على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وإحداث زلزال سياسي يؤخر مشاريع تصفية القضية الفلسطيـنية، لكنهم فوجئوا بهشاشة الوضع في غلاف غزة، ووجدوا أنفسهم يتوغلون عشرات الكيلومترات في المستوطنات بسهولة، وكان هذا مربكًا لهم، إذ إن الحدث كله لم يستغرق سوى بضع ساعات، تحقق فيه ما لم يتحقق للمقاومة منذ عشرات السنين.


سادسًا: مضت سنة ونصف على بدء هذه الأحداث، تعادل في أهوالها قرونًا من المآسي، ولم تتخلَّ المقاومة عن أهل غزة، وثبتت في مواقعها فوق الأرض وتحتها إلى هذه اللحظة، وقدمت خيرة قادتها وشبابها ثمنًا لذلك، شهداء مقبلين غير مدبرين، يقاتلون في الصفوف الأمامية تحت خطوط النار، مما ينفي عنهم أي نوايا خبيثة أو بيعات سياسية أو تخطيط ماكر أو تآمر مع الأعداء، وستدفع حركات المقاومة الثمن حتى النهاية، ولا ننسى أن المقاومة وشبابها هم من أهل القطاع، وهم أنفسهم وعوائلهم وأقاربهم الذين يستشهدون، والبيوت التي تدمّر هي بيوتهم، وليسوا في فنادق الدوحة أو إسطنبول أو القاهرة كما يحلو لبعض المغرضين أن يزعموا.


سابعًا: ما زال الحدث قائمًا، ولا ندري ما تخبئه لنا الأيام، ولو افترضنا خطأ حماس ومغامرتها في يوم 7 أكتوبر، فما عذر الأنظمة العربية والإسلامية في سكوتها الرهيب عن جرائم الاحتلال وعملية الإبادة والتجويع التي تستهدف الأبرياء؟ أليست الشريعة التي توجب درء المفاسد، والوفاء بالعقود والعهود، توجب أيضًا الدفع لصولة العدو، والنصرة للمظلومين بالقول والفعل؟! وهو ما لم تقم به هذه الأنظمة، ولو في إطار الضغط السياسي والاقتصادي، بل بعضها ازدادت إمعانًا في التطبيع مع الكيان، وتجاوزته إلى التحالف العسكري والاقتصادي.


ثامنًا: قد سبق السيفُ العذلَ، وانطلق السهم عن القوس، وصار أي عتاب أو نقد حاليًّا كلامًا فارغًا لا يقدِّم ولا يؤخر، بل قد يدخل في الخذلان والتخذيل ومناصرة قوى الظلم والاستكبار، وسواء شئنا أم أبينا، فإن أطماع بني صهيون لن تتوقف عند حدود رفح، والكيان عازم على توسيع حدوده ونفوذه، وتغيير خريطة الشرق الأوسط تدريجيًّا بما يتوافق مع مصالحه وهيمنته، تساعده على ذلك قوى الإمبريالية الغربية، وسيطال هذا التغيير الجميع، عاجلًا أم آجلًا، وسيذوق الجميع وبال سكوتهم وتبريرهم للعدوان، ويكفي المقاومة شرفًا في هذا الوقت أنهم يقومون بواجب القتال نيابة عن جميع الأمة. والأيام والشهور القادمة حبلى بالمفاجآت، وهناك رب عظيم منتقم جبار غالب على أمره، يبتلي عباده بالسراء والضراء، ثم ينزل عليهم النصر من حيث لا يحتسبون.

9 شوال 1446

7 أبريل 2025م