ليست الحربُ هنا سوى مرآةٌ قاتمةٌ تكشفُ قبحَ النفوسِ حينَ تتحولُ إلى وحوشٍ تتهافتُ على فتاتِ السلطةِ، وتتنفسُ سمومَ الطمعِ.
آهٍ من هذه الآلةِ الشيطانيةِ التي تطحنُ أحلامَ شعبٍ ويُدَارُ بها عجلةُ موتِ تُغَذَّى بدماءِ الأبرياءِ، وتُسَكُّ نقودُها من دموعِ الثكالى.
في زخمِ الصراعِ الذي يقتلعُ جذورَ اليمنِ من أحشائها.
(الشرعيةُ) و(الحوثيون).. مجردُ بيادقَ في رقعةِ شطرنجٍ كُبرى! يُحرِّكُهم أسيادٌ في الخفاءِ، بينما يَتوهمونَ أنهم فرسانُ المعركةِ.
ها هُم يُلقيانِ خطاباتٍ كالسهامِ، ويدَّعيانِ تمثيلَ الإرادةِ الوطنيةِ، لكنَّ حقيقتهما كالسرابِ: قوةٌ مُستعارةٌ من دماءِ الشعبِ، وسلطةٌ مُعلَّقةٌ بخيوطِ الخارجِ ، أَتَظنونَ أنَّ مَن يَرتهنُ لإملاءاتِ الغرباءِ يَملِكُ قرارَ الوطنِ؟! إنهما وَهمَانِ يَتقاسمانِ كرسيَّ العارِ، ويَنسيانِ أنَّ القوةَ الحقيقيةَ تكمنُ في صرخةِ الفلاحِ الذي يزرعُ الحياةَ بين الرمادِ، وفي عزمِ المرأةِ التي تَحمي أطفالَها من براثنِ المجاعةِ.
أليست كلُّ مأساةٍ تُخبئُ في أحشائها بذرةَ خلاصٍ؟
هذه الحربُ القاتمةُ ليست سوى انعكاسٌ لأقبحِ ما في البشرِ: أنانيّةٌ تَختنقُ بها القلوبُ، وطمعٌ يُحوِّلُ الإنسانَ إلى ذئبٍ ينقضُّ على إخوتهِ، وجَهْلٌ مُتعجرفٌ يظنُّ العالمَ ساحةً لِأهوائهِ! لكنَّ اليمنَ، كطائرِ الفينيقِ، يَحملُ في جَراحهِ سرَّ البعثِ. أليس من حقِّهِ أن يتحررَ من قيودِ تجارِ الموتِ الذين نسجوا لهُ تابوتاً من حريرِ الخداعِ؟ أليس من حقِّ أطفالهِ أن يَرَوْا شمسَ السلامِ تشرقُ من بين سُحُبِ المدافعِ؟
أيها العالمُ، هل سمعتم صرخاتِ اليمنِ الخرساء؟
إنها تُنْشِدُ خلاصًا من أغلالٍ نَسَجَها تجارُ الموتِ، وحراسُ السلطةِ الذين يَتَبَخْترونَ في قصورٍ من عظامِ الضحايا. ها هم في الرياضِ وصنعاءَ يَلْعَبونَ بورقةِ السلامِ كَأطفالٍ ساديينَ، يَختلقونَ الأعذارَ ويُطيلونَ الأزماتَ، بينما بطونُهم تَتَخَمَّرُ بالثراءِ، وجيوبُهم تَتَفَرَّعُ عن الذهبِ المسروقِ من جياعِ اليمنِ.
الشعبُ.. المُعلَّقُ بين فَكَّيْ وحشٍ!
جوعٌ ينهشُ أحشاءَ أطفالهِ، وخوفٌ يسرقُ أنفاسَ عجائزهِ. ينتظرونَ السلامَ كسجينٍ يُراقبُ شروقَ الشمسِ خلفَ القضبانِ، يتساءلُ: هل تَجرؤُ الحريةُ أن تَطَأَ أرضًا صارتْ مزبلةً للطغاةِ؟
المغتربون.. قلوبٌ معلقةٌ في السماء!
يَبعثونَ أموالَهم كرسائلَ حبٍّ مكتوبةٍ بحبرِ الأسى، قلوبُهم تُحلّقُ فوقَ البحرِ نحوَ وطنٍ يذوبُ مثلَ حلوى في فمِ التنينِ.
النازحون.. أشباحٌ بلا ملامحَ!
تَجرجرُ ذكرياتِها على طرقاتِ المنفى، تبحثُ عن وطنٍ صارَ خرافةً.
الإقليمُ.. مشهدٌ هزليٌّ في مسرحيةِ العبثِ!
جميعُهم يَرْقُصونَ على حافةِ الهاويةِ، يَخافونَ أن تُطْفأَ الأضواءُ فَتُكشفَ وجوهُهم الشاحبةُ. إنهم أَشباهُ قادةٍ يَختبئونَ وراءَ ستائرِ القوةِ، لكنهم في الحقيقةِ أطفالٌ خائفونَ يَلعبونَ بمصائرِ الشعوبِ.
الحلُّ.. طَفْوٌ على سطحِ المستحيلِ!
لن يكونَ بالهروبِ، بل بتحطيمِ آلةِ الحربِ التي تَدورُ كعجلةِ إيكاروسَ. لنَصْبِ مرايا تُريهُم حقيقتَهم المشوَّهةَ: قزماً يَتلاعبونَ بمصيرِ عمالقةٍ. الحلُّ يبدأُ حينَ نُدركُ أن الطمعَ وهمٌ، والسلطةَ سرابٌ.
لنُحوِّلْ طينَ المأساةِ إلى فسيفساءِ أملٍ:
1. لِنَنْسجْ من خيوطِ الخيالِ بساطاً للسلامِ؛ نَرسمُ عليهِ مدارسَ تُنبتُ أحلاماً بدلَ القبورِ.
2. لنُشعلْ شموعَ الفنونِ في قاعاتِ العتمةِ**، فالمسرحُ والشعرُ أسلحةٌ تُهزمُ بها أعتى الجيوشِ.
3. أطلقوا العنانَ لشبابٍ لم تُلَوِّثْهم أيدي الفسادِ، ففي عروقِهم دمُ "الحمدي" الذي لم يَخُنْ.
4. المغتربونَ جسرُ الخلاصِ، فَلْيُصغِ العالمُ لصرخاتِهم المُغَلَّفةِ بالحنينِ.
يا إقليمَ العالمِ، كُفّوا عن جَعْلِ اليمنِ ساحةَ نزاعاتِكم!
أعيدوا تعريفَ الحدودِ؛ لتكونَ جسوراً للعطاءِ لا خنادقَ للدمارِ. فاليمنُ ليس أرضاً، بل روحٌ تُنْزَفُ.
واخيراً..
السلامُ ليس مجردَ توقيعٍ على وثيقةٍ، بل هو رِسالةُ حبٍ تُكْتَبُ بمدادِ العدلِ، وتُغَلَّفُ بجمالِ الإنسانيةِ. وكما يقولُ الفنُّ: (الحياةُ بلا سلامٍ لوحةٌ بلا ألوانٍ). فلنرسمْ معاً لوحةً تليقُ بآدميةِ الإنسانِ.
هكذا تتحولُ المأساةُ إلى ملحمةٍ، والجراحُ إلى قِصَصٍ تُروى لأحفادِ الغدِ..
فهل نُطفئُ النارَ قبلَ أن تبتلعَ آخرَ رمقٍ من جمالِ هذا الوطنِ؟
NOOR