قصة عبد الله بن عمرو بن العاص مع عنبسة والي الطائف تُبرز نموذجاً فريداً من التمسك بمبادئ العدل والدفاع عن الحقوق، حتى لو كان ذلك في مواجهة السلطة الحاكمة. تروي هذه الحادثة تفاصيل رفض عبد الله بن عمرو للظلم، وتمسكه بمفهوم الشريعة الحاكمة على الحاكم والمحكوم على حد سواء، مما يجعلها قصة تحمل أبعاداً إنسانية ودينية عميقة.
*خلاف مع الوالي: الأرض نقطة النزاع*
عبد الله بن عمرو بن العاص، الصحابي الجليل وابن القائد الكبير عمرو بن العاص، كان من رجال الحق والصراحة. ذات يوم، وقع نزاع بينه وبين عنبسة، والي الطائف المُعين من قبل معاوية بن أبي سفيان، حول قطعة أرض
. أراد عنبسة أخذ الأرض عنوة، متجاهلاً حق عبد الله فيها. رد فعل عبد الله كان حازماً؛ فقد قام بتسليح عبيده استعداداً للدفاع عن حقه في مواجهة جيش الوالي.
*الموقف الأخلاقي والشريعة*
أثناء الأزمة، جاء خالد بن العاص ليُنكر على عبد الله مواجهته للوالي، قائلاً: *"هذا ولي أمر، تخالفه؟"* .
لكن عبد الله رد بوضوح، مُذكراً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: *"من قُتل دون ماله فهو شهيد"* . بكلمات قوية، انتقد عبد الله الفهم الذي يبرر للسلطة أخذ حقوق الناس دون وجه حق، قائلاً: *"لا يوجد نص في الشريعة يعين الظالم على ظلمه، لا في النصوص ولا في مقاصد الشريعة"* .
عبد الله أشار إلى أن الفهم المغلوط لبعض النصوص، كحديث *"وإن جلد ظهرك وأخذ مالك"* ، يجعل الشريعة تبدو وكأنها تفرض الطاعة المطلقة للحاكم حتى في حال ظلمه.
لكنه أكد أن هذا فهم سقيم، لأن الأصل في الشريعة أنها تُحكم على الجميع، حاكماً ومحكوماً.
*عدالة الشريعة: مبدأ لكل زمان*
حديث عبد الله بن عمرو يُبرز مبدأً أساسياً في الإسلام: العدالة فوق الجميع. الشريعة الإسلامية لم تُسن لتكون أداة لقهر المظلومين أو تمكين الظالمين، بل جاءت لتحقيق العدل بين الناس. لا يجوز استغلال النصوص الشرعية لتبرير التجاوزات والظلم، سواء كان من الأفراد أو السلطات.
*دروس من الحادثة*
1. *الدفاع عن الحقوق واجب:* موقف عبد الله يبرز أهمية التصدي للظلم، سواء أكان من الأفراد أو من السلطة.
2. *الشريعة ميزان عدالة:* النصوص الدينية يجب أن تُفهم في سياق تحقيق العدالة، وليس في سياق التبرير للظلم.
3. *الشجاعة في قول الحق:* شخصية عبد الله تعكس نموذجاً للمؤمن الذي لا يخشى في الله لومة لائم، حتى أمام الحاكم.
*الخلاصة*
حادثة عبد الله بن عمرو مع عنبسة والي الطائف تفتح باب التأمل في معنى العدالة في الإسلام، وتُذكرنا بأن الشريعة ليست أداة لاستغلال السلطة، بل هي نظام لتحقيق التوازن والعدل. موقف عبد الله يظل نموذجاً للشجاعة في مواجهة الظلم، والتأكيد على أن الشريعة تُحكم الجميع، دون استثناء. *فلا فرق أمام العدالة بين الحاكم والمحكوم، وهذا هو جوهر الإسلام.*
