كتب / أشرف باعلوي
كغيرنا، شاهدنا في اليومين الماضيين حملةٍ إعلاميةٍ مشفوعةٍ بصورةٍ من الاستقالة التي تقدم بها رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط المهندس “خالد باحميش”. وهي، وكما تبدو للقارئ، حملة باطنها الانفصام، وظاهرها الانتقام، ولا شك أنها واضحة المرامي، ومفضوحة المآرب؛ إذ يرجو من يقف وراءها – أي وراء الحملة – التعبير بما تمليه عليه الأجندات السياسية المعادية لوزارة النفط والمعادن، تلك الأجندات التي تسعى بكل ما أوتيت من قوةٍ لإفشالِ الوزارة ومحاربة قيادتها؛ رغبةً في الاستحواذِ عليها لاستكمال دائرة النفوذ للتحكم فيما بقى من مؤسسات الدولة.
ما يدعو للاستغراب في الاستقالة مزاعم دفع وزارة النفط أموال طائلة لشركات مراجعة دولية رغم أن وزير النفط يحمل دكتوراه في المحاسبة، حيث ضمَّن المهندس “خالد باحميش” ذلك في استقالته باعتباره إهداراً متعمداً للمال العام. وهذا المَزْعم كفيلاً بكشف الدوافع الانتقامية - إن لم يكن ذلك انفصاماً في الشخصية يستوجب العلاج النفسي – وهو منطق أرعن لا يليق بشخصية قد بلغت من العمر عتيا وتتبوأ أعلى هرم في أهم مؤسسة حكومية، فمن غير المعقول أن كل وزير يمارس عمله كوزير بموجب شهادته الأكاديمية، فمثلاً إذا كان الوزير يحمل شهادة في الطب هل تقع عليه مداوة موظفيه، وفي حال ذهب أحد الموظفين للعلاج في الخارج هل يعد ذلك إهداراً للمال العام.. ما هذا المنطق يا باحميش!! فعلاً فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46) سورة الحج.
في الاستقالة اعترف المهندس “باحميش” بتحصيله مستحقات مالية لخمس سنوات ماضية من شركة OMV النمساوية، حيث أن وزارة النفط طالبته بصرف منها رواتب موظفي الهيئة والمتوقفة منذُ خمسة أشهر، بينما رفض “باحميش” طلب الوزارة معتبراً ذلك محاولة لفرض التزامات غير قانونية على الهيئة.. ألا يحق لنا أن نسأل عن مصير تلك المبالغ التي تحصلت عليها من شركة OMV والمُقدرة بحوالي مليون وخمسمائة ألف دولار؟!! سيما وأنت تمتنع عن صرفها لموظفي الهيئة في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن.. وهل هناك ما هو أكبر من صرفها كرواتب للموظفين؟! ومن متى أصبحت رواتب الموظفين التزاماً غير قانوني؟! إذاً، ما الغاية من امتناعك لصرفها والإصرار على التحويش عليها لدواعي مجهولة وغريبة الأسباب؟!!
كما لم يغفل المهندس “خالد باحميش” في استقالته بإظهار عدائه البواح إزاء قرار إنشاء شركات وطنية جديدة في إشارة واضحة وصريحة لمطالب أبناء شبوة العادلة المُتمثلة في تأسيس شركة (بتروشبوة) على غرار شركتي صافر بمأرب، وبترومسيلة بحضرموت، واصفاً تلك الخطوة بأنها ستؤدي إلى تفتيت القطاع النفطي وإضعاف الاقتصاد، وتهديد الوحدة اليمنية، ومقدمة لنهب الموارد وتقاسم والمصالح حسب زعمه.. وهنا نسأل المهندس “باحميش” لماذا تعتبر إنشاء شركة (بتروشبوة) إضعافاً للاقتصاد في ظل وجود تجربتين ناجحتين إحداهما في مأرب والأخرى في حضرموت، وكانتا تجربتين نموذجيتين لتعزيز الاقتصاد، ورفد خزينة الدولة؟
كما حاول “باحميش” في الاستقالة أن يخادع الآخرين، وما يخدع إلاَّ نفسه، غير آبهٍ بكبرِ سنهِ، ولا بشيبِ لحيتهِ، من خلال الفرية التي افتراها على وزير النفط بأن فترات غيابه الطويلة في الخارج قد أثرت على قراراته، وكما هو معلوم أن وزير النفط أكثر الوزراء حضوراً في العاصمة عدن وتكاد سفرياته الرسمية لا تستغرق خمسة أيام فقط وبشهادة الجميع، بل وأن المهندس “باحميش” في أكثر من مناسبة يشيد بتواجد الوزير ويكررها بعظمة لسانه أمام الملأ، فما الذي غيَّر رأيه وجعله يناقض ذاته في هذا الشهر الفضيل أهو الانتقام، أم الانفصام؟!!