نعلم جميعًا أن الذكاء درجات ومقامات تختلف من شخص لآخر، وأعلى مقام أو درجة للذكاء تختص بالشخصية التي ترى ما لا يراه الآخرون. علماً أن هذه الشخصية الفذة لها قيمة وثقل واهتمام في الدول المتقدمة، التي تنصبها في مراكز ومؤسسات صنع القرارات والاستراتيجيات، بعكس الدول العربية.
ومن هذه الشخصية نفهم لماذا أصر المجتمع الدولي (وبفرحة إقليمية) على تشكيل مجلس رئاسي مكون من ثمان شخصيات، رغم علمه بأن مصير هذا المجلس هو الفشل، الذي يمثل للمجتمعين (الإقليمي والدولي) الهدف والغاية من تشكيل هذا المجلس الرئاسي.
فالمجتمع الدولي والإقليمي قد وضع سيناريو لما بعد فشل المجلس الرئاسي قبل تشكيله. فالمخرج، الذي يرى ما لا يراه الآخرون، يعتمد على ثلاث ركائز ممثلة بالأداة وهي المجلس الرئاسي (تعدد السلطات)، والمكان وهو المناطق المحررة، والوقت الناتج عن مماحكات تعدد السلطات. بهذه الركائز، وأهمها عامل الوقت الذي يحتاجه المخرج ليُبقي الوضع في مد وجزر، حتى تستقر أقدام مصالحه وأهدافه على أرض الواقع في المناطق المحررة.
وإليك بعض السياسات التي أيقن المخرج أنها ستتشكل جراء تعدد السلطات، والتي من خلالها سيخلق الوقت المريح له حتى تتحقق أهدافه ومصالحه على أرض الواقع:
سياسة فرق تسد غرس المخرج بين القيادة الرئاسية هذه السياسة التي خلقت مماحكات بين أعضاء المجلس الرئاسي، الذين أصبح تركيزهم وانشغالهم ضد بعض أكبر وأكثر من انشغالهم من أجل إرساء سفينة الاستقرار.
سياسة حق النقض للقرارات هذه السياسة التي حققها المخرج من تعدد السلطات التي أصبحت قراراتها مجمدة ومتضاربة فيما بينها، وبذلك أصبحت القيادة عاجزة عن اتخاذ أي قرارات توافقية لتحريك عجلة التحسن والتطور في الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمية... إلخ للمناطق المحررة، التي (بفضل حق النقض) أصبحت من السيء إلى الأسوأ، ثم الأسوأ فالأشد سوءًا.
سياسة الاحتواء والإهمال المزدوج نجد المخرج يستمر في التلاعب بهذه السياسة بين قيادة المجلس، فتارةً يتم احتواء فصيل لفترة ويُهمل فصيل آخر لفترة، وتارةً العكس، أو يتم احتواء الفصيلين معًا ثم يتم إهمالهما معًا... إلخ. علماً أن تزامن استخدام توقيت الاحتواء والإهمال يعتمد على ما يراه المخرج مناسبًا لأهدافه الكثيرة التي يجب أن يتحقق جزء منها في هذا التوقيت بالذات.
سياسة التشظي لم يكتفِ المخرج بخلق التشظي بين أعضاء المجلس، بل أيضًا خلق التشظي على مستوى المحافظة الواحدة. وهذا ما نراه في الوقت الحالي في محافظة حضرموت التي تشظت بين بن حبريش والبحسني. علماً أنها المرة الأولى في تاريخ حضرموت السلمية التي تشهد هذا التشظي. فالمخرج له مآرب أخرى من خلق هذا التشظي الخبيث في محافظة نفطية، تربطها حدود كبيرة مع الشقيقة السعودية.
سياسة افتعال الأزمات بعد عجز أعضاء المجلس عن إجراء أي إصلاحات بفضل حق الاعتراض فيما بينهم الذي يبقي الوضع الاقتصادي والخدمي... من السيء إلى الأسوأ، تفتعل الأزمات ليثور الشعب الذي سيضغط على القيادة التي ستخضع لمتطلبات المخرج لتسوية سياسية قادمة.
سياسة الاستقطاب إبقاء الفقر متجذرًا حتى يتم استقطاب الشباب لتشكيل عدة جيوش موزعة بين أعضاء المجلس. وأحدثها قوات "درع الوطن" التي شكلها رشاد العليمي بدلاً من أن يهتم بوزارة الدفاع. وأتمنى أن لا يكون في جعبة المخرج فكرة تضارب هذه الجيوش فيما بينها.
سياسة الابتزاز المزدوج يعلم المخرج أن الوديعة والرواتب بالعملة الصعبة للجيوش الجديدة والقديمة هي الورقة الأهم التي يستطيع من خلالها ابتزاز أعضاء المجلس الرئاسي ليقدموا تنازلات سياسية وجغرافية... إلخ. بهذه السياسة يبقي المخرج الفصائل والشعب اليمني في حالة احتياج دائم له، ويبقي جميع الفصائل عاجزة عن اتخاذ أي قرارات ارتجالية خارج سيناريو المخرج.
وأختم مقالي بالقول إن مسلمة فشل الشراكة واقعة لا محال، حتى وإن كانت بين أخوين من أب واحد وأم واحدة، فما بالك بالشراكة بين ثمانية أعضاء مختلفين في الرؤى والطموحات والأهداف. علماً أن المناطق الجنوبية أكثر معاناة وتصادمًا من الشراكة، بعكس مناطق المخا ومأرب اللتين تعتبران جديدتي النهضة.
فالحل هو إما حل مؤقت، على أن يكون مزمنًا، بتسوية سياسية في شهر رمضان المبارك لتقليص أعضاء المجلس الرئاسي إلى النصف أو الربع، أو حل نهائي بانتفاض أحد أعضاء المجلس الرئاسي من عباءة المخرج ليعلن... والحليم تكفيه الإشارة.