في الخامس والعشرين من أبريل عام ألفين وعشرين أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في المحافظات الجنوبية كخطوة مفاجئة تهدف إلى مواجهة تدهور الخدمات وغياب الحكومة الشرعية عن أداء مسؤولياتها ورغم الجدل الكبير الذي أثاره هذا الإعلان داخلياً وخارجياً فإن المجلس تراجع عنه في يوليو من العام نفسه استجابةً لضغوط التحالف العربي وتنفيذاً لإتفاق الرياض واليوم وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على هذا القرار يُطرح سؤال محوري "هل كان إلغاء الإدارة الذاتية خطأ إرتكبه الانتقالي"؟
في ظل إستمرار تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية في الجنوب قرار الإلغاء لم يكن قراراً ذاتياً بالكامل بل جاء ضمن إلتزام المجلس الانتقالي بتنفيذ إتفاق الرياض الذي رعته السعودية والإمارات والذي كان يهدف إلى حل الخلافات بين الشرعية والانتقالي عبر تقاسم السلطة أراد الانتقالي من هذه الخطوة تعزيز مكانته السياسية والحفاظ على علاقته مع التحالف العربي خاصة في ظل التحديات الأمنية والسياسية المعقدة التي تواجه اليمن ككل لكن هذه الخطوة كانت لها تداعيات واضحة على الأرض إذ أن التراجع عن الإدارة الذاتية أعاد زمام الأمور للحكومة اليمنية في عدن وبقية المحافظات الجنوبية دون أن يتحقق أي تحسن ملموس في الخدمات الأساسية أو الأوضاع المعيشية للسكان بل على العكس تدهورت الخدمات بشكل أكبر مما أثار إستياءً شعبياً واسعاً ورغم نجاح الإنتقالي في تقاسم السلطة مع الشرعية إلا أن الأزمات إستمرت في التفاقم في الجنوب من تدهور خدمات الكهرباء والمياه إلى إنقطاع المرتبات وإرتفاع الأسعار ولم يشعر المواطن الجنوبي بأي تحسن يُذكر بل زادت معاناته اليومية وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية تساءل كثيرون عما إذا كان الانتقالي قادراً على تقديم نموذج إدارة أفضل لو إستمر في إدارته الذاتية ؟
من منظور شعبي كانت الإدارة الذاتية تمثل بارقة أمل لتحسين الأوضاع بعيداً عن البيروقراطية الحكومية المركزية لكن نجاحها كان يتطلب عوامل عدة منها الدعم الدولي والإقليمي إذ كان الانتقالي بحاجة إلى إعتراف ودعم سياسي من التحالف والمجتمع الدولي وهو ما لم يتحقق بالشكل الكافي وكذلك القدرات الإدارية والمالية حيث كانت الإدارة الذاتية تواجه تحديات كبيرة في توفير الموارد المالية وإدارة الخدمات بشكل مستدام إضافة إلى الوضع الأمني الذي شكل عقبة كبيرة أمام تنفيذ أي خطط تنموية أو خدمية .
إلغاء الإدارة الذاتية ربما كان خطوة سياسية ضرورية للحفاظ على مسار إتفاق الرياض لكنه جاء على حساب ثقة الشارع الجنوبي فالمواطن اليوم لا يهتم كثيراً بالتوازنات السياسية بقدر إهتمامه بتحسين ظروف حياته اليومية وهو ما لم يتحقق حتى الآن وعلى المجلس الإنتقالي الجنوبي أن يعيد تقييم استراتيجيته ويضع في أولوياته تحسين الخدمات المعيشية للمواطنين سواء من خلال الضغط على الحكومة الشرعية أو عبر تقديم مبادرات مستقلة فالثقة الشعبية لا تُبنى فقط بالخطابات السياسية بل بالقدرة على تلبية الإحتياجات الأساسية للناس وفي النهاية يبقى السؤال المطروح "هل سيدرك المجلس الانتقالي أن نجاحه في تحقيق تطلعات الجنوب لا يكمن فقط في المكاسب السياسية بل في القدرة على تحسين حياة المواطنين؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة ولا وقت أمامه للإنتظار" .