تأبى الحياة إلا أن تُلقي بنصبها وهمومها وأحزانها ومرارة عيشها على عاتق ذلك الأب.
فأي صبرٍ تحمله يا أبي، وأي عزيمةٍ تلك التي تشق طريقها بين جنبيك؟
ما يعيشه الآباء عموماً شيء يفوق الوصف، ولا يقدر أحدٌ على تحمله؛ فهم يتصارعون من أجل البقاء.
تبدأ معاناة الآباء حين ينظرون إلى أطفالهم، ويسألون أنفسهم: *"ما الذي ينتظرني في الغد؟"*
مزيج من الهموم والغموم يحيط بالأب دون أن يشعر به الأبناء. قد تدمع عينه حينها، وأنت لا تعلم.
الحياة بطبيعتها لا تقف إلى جانب أحد، مهما كان قدره أو منزلته. قد يحتاج الإنسان أحياناً إلى شيءٍ من القسوة ليصمد أمام منعطفات الحياة، ولكن سرعان ما يعود الأب إلى فراشه، تتجدد ذكرياته وهمومه، وتأبى تلك الغموم أن تتركه لحاله.
في بلادنا، تتلاطم أمواج المعيشة، فلا تترك الأب يعيش بسعادة، ولا تُبعد همومها عنه.
الآباء، يا سادة، يخوضون معارك ضارية بين تقلبات الأوضاع المعيشية، يعانون بصمتٍ وهدوءٍ وحذر، دون أن يشعر بهم أحد.
نحن لا ندرك ما يمرون به، ولا نعلم كيف يمضي يومهم، أو ماذا يأكلون ويشربون، بينما نجلس في انتظارهم غير مدركين لعالمهم الخارجي الموحش والمظلم.
أبي، أي عظيمٍ أنت حتى تخوض كل تلك الحروب والأزمات والتحديات من أجلنا.
رفقاً بآبائنا، أيتها الحياة، فهم يحملون فوق طاقتهم.
رفقاً بنا، أيتها الحياة، فإننا لا نعلم متى نفقد ذلك الصوت الحنون في دارنا.
رفقاً بنا، أيتها الحياة، فكل الديون يمكن تسديدها، إلا دين الآباء، فهو دينٌ لا يمكن الوفاء به.