آخر تحديث :الخميس-07 أغسطس 2025-02:26م

الحنين إلى الماضي المثالي

الثلاثاء - 05 نوفمبر 2024 - الساعة 05:44 م
مشتاق العلوي

بقلم: مشتاق العلوي
- ارشيف الكاتب


لا شك أن الحنين إلى الماضي بتفاصيلهِ شِيءٌ جميل، فهو يمدنا بسعادة شعورية داخلية، واحساس متفرد، متوج بقناديل الرضى، ويتفاعل معها الإنسان بنفسه من خلال الذكريات، او الآثار المحسوسة، بمساعدة الخيال الذهني.


إذن دعونا نتعرف بماذا فسر علماء النفس تلك الحالة؟.

( أطلق علم النفس عن هذه الحالة مصطلح النوستالجيا ويستخدم للتعبير عن الحنين إلى الماضي، أو العيش في الماضي، وهي متلازمة تصيب الإنسان الذي يحن دائمًا إلى الماضي والعيش مع الذكريات، بحيث يصبح الشخص المصاب بهذه المتلازمة يرى أن الماضي جميلًا جدًا، بكل ما فيه من أحداث، أو علاقات، ويرى أن الماضي كان أسهل وأبسط وأكثر متعة.

هكذا فسر علماء النفس تلك الحالة واجمعوا على أنها متلازمة مرضية يُصاب بها الإنسان).

واعتبرتها انا وجهة نظر تحسب لهم، ولكن الحقيقة بعيده كل البُعد عن ذلك.

ولو صدقنا علماء النفس في نظريتهم لاجمعنا على أن 90٪ من إجمالي سكان اليمن مصابون بتلك المتلازمة، لإنني أينما تحدثت مع أي شخص بخصوص الماضي، إلا وأخرج تنهيدة تصل عنان السماء، وأبدا تحسرة على الماضي بكل مافية، وأنا أحدهم، فالماضي بالنسبة لي جميلًا جداً، رغم متاعبة..


إذن فالحنين إلى الماضي ليس مرض، ولا حالة نفسية، ولا شيئا مقلقا، بل هو تمثل لجزء من طبيعة الإنسان، والحنين إلى كل ما هو أصيل، وقديم، وتليد، هو في الواقع أحد الطرق التي تجعل الإنسان إيجابياً، ويطرد السلبية من حياته، لذلك فهي تفسير كايجابية اكثر مما هي سلبية.


ولاحظ أخي القارئ الكريم، أن كل ما يمت إلى الماضي بصلة، فإنه يمثل شيئًا اصيلًا ومتميز، وجيد، لهذا كل ما يتعلق بشيء قديم فهو يتعلق بشيءٌ راقي، وراسخ الجذور، وذو قاعدة قوية، يمكن الاستناد عليها، واعتمادها كأساس للمستقبل.

ويمكن أن يكون الحنين إلى الأشخاص الذين فقدناهم، وإلى الأماكن الخالية، وإلى أيام الطفولة البريئة، وإلى أصدقاء الزمن الجميل، والعلاقات الإجتماعية القوية، وإلى بساطة الحياة، وإلى التفاصيل الصغيرة، وربما يكون الحنين إلى أنفسنا "شكلنا، ملامحنا، اعمارنا، أحلامنا، التي طوتها دفاتر الأيام.


ولا شك أن الذكريات تبدوا داخل عقولنا كقصصٍ تجعلنا نرى فيها فقط الجانب الإيجابي والسعيد، ونشعر حينها بالراحة والإطمئنان، حيث نجد الأشخاص والأماكن الذين ألِفناهم، بينما قصصنا الحاضرة قصص لم تنتهِ بعد، ولا نزال نعيشها بواقعها، فكل قصة تبدو في وسطها شائكة؛ لكن حين تنتهي فإنها تترك أثراً جميلا. بمعنى أن الأمور التي عشناها وعيشناها في الماضي تبدو أجمل، فما عليك سوى الانتظار حتى تنتهي فصول حياتك الحاضرة كي تتمتع بالجزء الجميل منها...!


من أسباب تجذر ذكريات الماضي في عقولنا هو أن أحداث الماضي كانت تأخذ وقتها الكافي في سيرها، وتمتدّ على مدى سنوات عدّة، خاصّة المظاهر الاجتماعيّة، فالتّغيير كان حينها بطيئاً ممّا أتاح لنا عيش الأحداث ومعالجتها بأريحيّة؛ خلافاً لما هو عليه الآن؛ حيث أنّنا نكاد نشاهد كل يوم تغييرًا وتحولًا جديدًا في نمط وأساليب العيش بسبب التّقدّم العلمي والتّكنولوجي المتسارع والمستمر، والّذي يُطال جميع مناحي حياتنا ويؤثّر فيها.


يبقى أن نقول أنّ هذا السّلوك لا ينطبق على كافّة البشر بل هناك من يرون فيه ألماً وحزناً وندماً، وكم جميل أن نستخدم تلك المشاهد كدروس وعبر نستفيد منها بحاضرنا ومستقبلنا.