آخر تحديث :الخميس-25 ديسمبر 2025-11:06م

الجـهوية السلبية.. مأساتنا المتكررة

الجمعة - 01 نوفمبر 2024 - الساعة 07:50 ص
علوي شملان

بقلم: علوي شملان
- ارشيف الكاتب


تاريخ هـذه البلاد – المسماة (بالسعيدة) زوراً وكذباً – ينوا بالصراعات ويضج بالمآسي، وحياة اهلها تـئن دوماً وابداً من قسوة وظلم وآثام المتعاقبـين والمتصارعـين عـلى الحكم من عـهـد اول مكرب في سبأ ،وحـتى كتابة هـذه السطور، ويعلم اللـه وحـده الى متى .

كانت ــ ولا تزال ــ الجـهـوية ومنتجاتها من مثل : المناطقية – الإلحـاق – الدونية الاقصاء ــ التهميش وغيرها ، هي التي توجـه الرماح وتحـرك السيوف في ايادي المكاربة والاقيال .. ولأن الـقـوم كانوا يعيشون زمن الجاهلية ، وعلى عهود قريبة من البدائية ، ولم تكن مفاهيم وشعارات الوطنية والقومية والشرعية وغيرها من مفاهيم وشعارات زمننا هـذا قد وجـدت، لذلك فإنهم لم يغلفوا نوازع السيطرة وقـهـر الجـهات والخصوم بأية مبررات او شعـارات ....

ولما بزغ فجـر الاسـلام دخـلـتـه اليمن واهـلهـا طـوعـاً.. غـير انه لم يمضي قـرن من الزمان ، حتى عادت الجـهـوية وتوابعهـا متدرعة بالـفـتاوي ولابسة عباءة الدين ووشاح الـمذهب ، حيث تـشظت الجهات ، وتصارع الحكـام وسالت الدماء .. وعلى هـذه الحال تواصلت الصراعات وتوالت دورات الـعـنـف وسيول الدماء تحت بيارق مختـلفة لمدة زمنـية تجـاوزت الف سنة....

كانت حـركة سبتمبر 1962م واعلان مبادئها وقيام الجمهـورية مـؤذناً بانتهاء عصور الدولة الدينية في اليمن، ودخـول البلاد مرحـلة تاريخية جـديدة .. غير ان ارث الجـهـوية وتوابعها استطاع البقاء ومسايرة هـذه المرحـلة من اليوم الاول لها حيث كان يخـتـفي حيناً بين طيات عمائم المشائخ وبذلات العسكر ، ويظهر حيناً على اسنة الخناجر واذلاق الرصاص...

الخناجـر الجـهـوية هي التي وجهت افظع الطعنات للـــبلاد في اكثر من مـوقع .. بلغ الالم حـدته ، والقسوة قمتها ، خـلال مـذابح واحـداث اغسطس سنة1968م في صنعاء ومذابح يناير 1986م في عـدن ، حيث سالت انهار الدماء وتناثرت عشرات الجثث في معسكرات وشوارع العاصمتين اليمنيتين.

عـفواً.. ليس المقصود هنا ذكـر حـدث بعـينه .. حيث ان الستين السنة الماضية الاخيرة من تاريخ بلادنا شهـدت احـداثاً مـؤلمة كثيرة ، كانت الجهوية وتوابعها هي المحرك الـفعلي لها، وذهــبت ارواح الالـوف من ابناء اليمن ضحايا لهذه الاحـداث.

ولان التاريخ حـوادث وعـبر – حسب التوصيف الغير مختلف عليه – لذلك فـقـد كان من المؤمل ان يـتوقف الحـكام والمتصارعين بعد كل حادثة وعـند كـل محطة لأخذ العبرة مما جـرى.. غـير ان هـذا هـو الذي لم يحـدث .. وكـان المأمول ان تشهد البلاد نهجاً جهوياً ايجابياً (كنمط تدبـيري يرتكز على تقسيم المجال الوطني، إلى جهات بهدف التخطيط لتـنميتها، لا لتدميرها وتطبيق اللامركزية، وإبراز وتعزيز خصائص ومميزات كـل جهة ، والاخــذ بالجهوية المتقدمة كتنظيم إداري هيكلي لا مركزي تتنازل بموجبه السلطة المركزية عن بعض الصلاحيات لفائدة الجهات المكونة للدولة، بهدف دعم التنمية المحلية، وتعزيز التضامن بين الجهات، وتنشيط التبادل التجاري، وتقليص الفوارق المجالية، وتقريب الإدارة من المواطن.)

واليوم ونحن نشهـد ارثـنا الجـهـوي وتوابعه ومنتجاته يحتمي تحت بيارق ولافتات المفاهيم والقيم والشعارات النبـيلة الكبرى من مثل الوحدة ــ التحرير ــ الاستقلال ــ والديمقراطية ــ والشرعية والتعددية – والتي لم تجـد طريقها الى التطبيق الفعلي الصحيح -. فإن قـلوبنا ترتجف ومشاعـرنا تشمئـز من سلوكيات وممارسات جـهـوية تعبر عـن نفسها كل يوم في واقع حياتنا المثـقلة بشتى الهموم والمنغصات..

ان شـؤن بلادنا اليوم تدار بمنطق الجـهـوية وتوابعها ومنتجاتها ، ومعايير الجـهوية هي المعتمدة اليوم ... كثيرين اليوم توجهـهم وتسيطـر عليهم نزعات سـلطوية جهـوية وثقافة التخوين، واحتكار الوطنية، وعقلية (انا الوطن والوطن انا) بذرائع وتبريرات غير منطقية ..

قيل في الاثر(ما اكثر العبر وما اقـل من اعـتبر)ومن الواقع الذي نعيشه ومن ما نراه ونسمعه فإنه لا احـداً – ممن تولوا امر هـذه البلاد – قد اعتبر من مأسي تاريخـنا القـريب والـبعـيد فـحـدثت هــذه الكارثة الوطنية التي نعيشها وحددت الانهيار الكبير الذي تحت انقاضه وغباره دُفــنت احـلامنا وامالنا وتطلعاتنا الى حياة كريمة لنا ولأبنائنا ..