آخر تحديث :الخميس-04 سبتمبر 2025-03:33م

كيف يعمق الحوثيون الأزمة الاقتصادية في اليمن"؟

الأحد - 25 أغسطس 2024 - الساعة 02:23 م
فارس النجار

بقلم: فارس النجار
- ارشيف الكاتب


في ظل النزاع المستمر في اليمن، تعرضت منشأة صافر النفطية في محافظة مأرب لمحاولات متكررة من قبل مليشيات الحوثي لاستهدافها. وعلى الرغم من فشل المحاولة الأخيرة، إلا أن هذه التهديدات المستمرة تظل تشكل خطرًا كبيرًا على قطاعي النفط والغاز في البلاد. قبل اندلاع الحرب في عام 2015، كانت اليمن تنتج حوالي 400,000 برميل من النفط يوميًا، وكانت محافظة مأرب تسهم بحوالي 70,000 إلى 80,000 برميل يوميًا من هذا الإنتاج. ومع استمرار الصراع، تراجع الإنتاج النفطي بشكل حاد ليصل في عام 2022 إلى حوالي 55,000 إلى 60,000 برميل يوميًا، حيث انخفض إنتاج مأرب إلى ما بين 7,000 و8,000 برميل يوميًا فقط، مما يمثل انخفاضًا بنسبة تقارب 90% في إنتاج المحافظة.

إضافة إلى ذلك، تُنتج منشأة صافر يوميًا حوالي 70 إلى 75 مقطورة من الغاز المنزلي، بحسب تصريح صادر عن مدير الشركة اليمنية للغاز. من هذا الإنتاج، كان يتم توجيه أكثر من 50 مقطورة يوميًا إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وهو ما يعادل حوالي 157,500 أسطوانة غاز يوميًا. هذه الكمية تمثل أكثر من 55% من إجمالي إنتاج الشركة. ومع توقف الحوثيين عن استيراد الغاز من مأرب، أدى ذلك إلى انخفاض كبير في الإيرادات الحكومية، حيث فقدت الحكومة الشرعية حوالي 283 مليون دولار سنويًا، مما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة المعاناة الإنسانية.

1. تداعيات محاولة استهداف مليشيات الحوثي لمنشأة صافر النفطية:
رغم فشل الهجوم الأخير، تبقى التهديدات المستمرة واضحة. يعتمد اليمن بشكل كبير على عائدات النفط لتغطية حوالي 50% من ميزانية الدولة، وفقًا لتقرير من البنك الدولي. توقف صادرات النفط بفعل الهجمات الإرهابية لمليشيات الحوثي أدى إلى عجز في موازنة الدولة بنسبة تصل إلى 70%، حيث يعود 50% من هذا العجز إلى توقف صادرات النفط والباقي ناتج عن تداعيات الحرب الممنهجة من قبل المليشيات على البضائع القادمة من موانئ الشرعية ووقف استيراد الغاز من مأرب، بالإضافة إلى الهجمات الإرهابية للحوثيين في البحر الأحمر.

تكرار المحاولات لاستهداف منشأة صافر يثير القلق بشأن إمكانية حدوث تعطيل أكبر للإنتاج في المستقبل، مما سيفاقم الأزمة الاقتصادية. البنك الدولي يقدر أن مثل هذه الهجمات، حتى لو فشلت، يمكن أن تؤدي إلى تراجع الثقة الاقتصادية وتباطؤ الاستثمارات، مما يزيد من تفاقم الفقر ويعقد جهود الإغاثة الإنسانية. وفقًا لتقارير من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ووزارة النفط والمعادن اليمنية، يُنتج حاليًا حوالي 7,000 إلى 8,000 برميل من النفط يوميًا في صافر، وهي كمية قليلة جدًا مقارنة بما كان يُنتج قبل الحرب. فشل الهجوم لا يقلل من خطورة الوضع، إذ يستمر الضغط على الحكومة لضمان حماية هذه المنشآت الحيوية.

2. توقيت المحاولة الفاشلة لاستهداف منشأة نفطية هامة وما دلالاته:
تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن التوقيت الدقيق لمحاولة الهجوم يعكس استراتيجية الحوثيين لإضعاف الحكومة اليمنية في وقت تعاني فيه البلاد من تضخم تجاوز 40% وانخفاض حاد في قيمة العملة المحلية. على الرغم من فشل الهجوم، فإن التوقيت كان مدروسًا لتعزيز الضغوط على الحكومة في فترة حرجة، حيث تحاول جذب استثمارات دولية وإعادة بناء الاقتصاد. الأمم المتحدة تؤكد أن هذه الهجمات، حتى وإن فشلت، تزيد من تعقيد الوضع السياسي في اليمن وتضعف من فرص تحقيق تسوية سلمية. كمحللين اقتصاديين، ندعم هذا التحليل حيث أن الحوثيين سيستمرون في هذه الهجمات كوسيلة للضغط على الحكومة في أي مفاوضات مستقبلية.

3. كيف يضعف الحوثيون الحكومة تدريجيًا من خلال محاولات استهداف مصادر قوتها وما هي الآثار المحتملة؟
وفقًا لتقارير من البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، فإن التهديدات المستمرة من قبل الحوثيين، حتى وإن فشلت، تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير. التهديدات الدائمة بإمكانية انقطاع الغاز المنزلي من مأرب تزيد من حالة عدم اليقين في السوق وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مقلق. برنامج الأغذية العالمي يقدر أن هذه التهديدات قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة تتجاوز 30% في المناطق الأكثر تضررًا، مما يزيد من معدلات الفقر والجوع. بالإضافة إلى ذلك، فقدت الحكومة الشرعية حوالي 50% من إجمالي إيرادات مبيعات الغاز المنزلي، مما يعادل 45 مليون دولار سنويًا، وفقًا لتقديرات وزارة المالية اليمنية ومركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. هذا التراجع في الإيرادات يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد، ويضع الحكومة تحت ضغط متزايد لتأمين الموارد اللازمة لتلبية احتياجات السكان.

4. الحلول المطروحة أمام الحكومة والمجلس الرئاسي في ظل التهديدات المستمرة لاستهداف منشأة صافر:
بحسب تحليل سابق صادر عن MEED وتقارير سابقة من وزارة النفط والمعادن اليمنية والبنك الدولي، يمكن للحكومة اليمنية اتخاذ عدة خطوات لمواجهة التحديات التي تفرضها الهجمات الحوثية على منشآت النفط والغاز، حتى وإن كانت محاولات الهجوم قد فشلت. من بين هذه الحلول:

تعزيز الدفاعات:
يجب تعزيز الدفاعات حول المنشآت الحيوية لحمايتها من الهجمات المتكررة. يمكن أن يشمل ذلك تحسين نظم الدفاع الجوي، وزيادة عدد القوات الأمنية في المناطق المحيطة بالمنشآت، مع تعزيز التعاون العسكري مع التحالف العربي.
استخدام الأدوات الاقتصادية:
يمكن للحكومة فرض عقوبات اقتصادية على الحوثيين، مثل تحديد قائمة بأسماء الأفراد والكيانات التجارية وفرض عقوبات محلية ودولية لتجفيف منابع تمويلهم. يمكن أيضًا اللجوء إلى وقف استيراد بعض السلع (تحويل نشاط الحاويات عبر ميناء عدن)، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، للضغط على الحوثيين اقتصاديًا.
الضغط الدولي:
يجب على الحكومة تصعيد القضية في المحافل الدولية لزيادة الضغط على الحوثيين وداعميهم، وكسب دعم أكبر من المجتمع الدولي. يمكن أن يشمل ذلك الدعوة لعقد جلسات خاصة في مجلس الأمن الدولي لبحث التداعيات الاقتصادية والإنسانية للهجمات الحوثية.
دور المبعوث الدولي والوسطاء: يمكن للمبعوث الدولي الخاص إلى اليمن أن يلعب دورًا حيويًا في الضغط على الحوثيين للعودة إلى المسار التفاوضي وفقًا لخارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة. الوساطة الدولية، وخصوصًا من قبل سلطنة عمان، يمكن أن تكون عاملًا مهمًا في تحقيق تقدم في المحادثات. دعم الوسطاء الدوليين يمكن أن يساهم في تعزيز الاستقرار ومنع المزيد من التصعيد العسكري، كما يمكن أن يساعد في إيجاد حلول لتخفيف الأزمة الإنسانية وضمان استمرارية تدفق الطاقة.
الضغط للعودة لمسار التفاوض:
في ظل الظروف الحالية، من الضروري التفاوض مع الحوثيين وفقًا لخارطة الطريق لضمان استمرار تشغيل المنشآت النفطية والغازية. يمكن أن يساهم الوسطاء الدوليون، مثل سلطنة عمان، في تيسير هذه المفاوضات.
تنويع مصادر الدخل:
يجب على الحكومة العمل على تنويع مصادر دخلها لتقليل الاعتماد على النفط والغاز. وفقًا لتوصيات البنك الدولي، يمكن أن يشمل ذلك دعم قطاعات الزراعة والثروة السمكسة، الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى تحسين إدارة الموارد المائية لتحقيق تنمية مستدامة.
مكافحة الفساد:
يجب على الحكومة اليمنية العمل على إصلاحات شاملة لمكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية. هذا يشمل تحسين الشفافية والمساءلة، وتطبيق القوانين بشكل صارم ضد الفساد. تعزيز دور المؤسسات الرقابية وتفعيل القوانين المعنية بمكافحة الفساد يمكن أن يعزز الثقة بين الحكومة والمجتمع الدولي، ويزيد من فعالية المساعدات الدولية.
الملخص:
في ضوء الوضع الحالي، يتعين على الحكومة اليمنية اتخاذ تدابير فورية وفعالة لمواجهة التهديدات المستمرة على قطاعي النفط والغاز في البلاد، والتي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية، علاوة على ذلك، يجب على المجتمع الدولي دعم جهود الحكومة اليمنية في تعزيز الاستقرار وضمان استمرارية تدفق الطاقة، مما يساعد في تخفيف المعاناة الإنسانية وتحقيق تسوية سلمية للنزاع المستمر