آخر تحديث :الخميس-21 أغسطس 2025-03:24ص

الغربة..الألم والأمل

الجمعة - 14 يوليو 2023 - الساعة 08:56 ص
أحمد فاضل

بقلم: أحمد فاضل
- ارشيف الكاتب


 

عرفتـهُ  يمـنيًّا   فــي  تلفّتــه
خوفٌ وعيناه تاريخٌ من الرَّمَدِ

الغربة ألم وأمل ،حلم ووجع،فرح وأسى،وجود وضياع ،شتات وسكون،صبر وإنكسار،أحلام مؤجلة تتحقق وأمنيات القت بصاحبها في الفراغ واللاشيء بل هي  ذاكم اللامستقر الذي يحمل من كل نقيضين اثنين..

الغربة أن تبحث عن ذاتك فلا تجد إلا مواكب وحشود وسرايا من الآهات والأنات والأشجان والدموع والأشتياقات الجارفة الحارقة وثمة إنفراجة وبعضٍ من الآمال والأفراح قد تأتيك دفعةٌ واحدة أو فرادا وفي أحيان وأوقات كثيرة هي ذاكم الملاذ الآمن والمستقر الهادئ الذي تجد فيه السكينة والطمأنينة والسلام النفسي والروحي،والبناء القوي المتين للشخصية المحنكة..

يقول الشاعر العربي الكبير عزاف الأسى "صياد البروق " بصير اليمن ومبصرها الأستاذ الخالد "عبدالله البردوني" عليه شأبيب الرحمة والمغفرة في قصيدته الشهيرة "غريبان وكانا هما البلد" وهو يتحدث عن اليمني كمغترب ومنفي و"مجعجع" حد السقوط  المدوي أو النسيان والتجاهل المُتعمد في مشهد درامي أقرب مايكون إلى الحقيقة أو قل بل هو الواقع بذاته وصفاته وملامحه فقد رأى وصور اليمني كما هو في  البيت أعلاه مع إن كل ماجاء في القصيدة يتحدث عن مآسينا التي تتشابهه إلى حداً كبير يقول:

من ذلك الوجه؟ يبدو أنه (جندي)
لا بل (يريمي) سأدعو ، جدّ مبتعدِ

أظنّه (مكرد القاضي) كقامتهِ
لا بل (مثنى الرادعي) (مرشد الصّيَدي)

لعلّه (دبعيّ ) أصل والده
من (يافع) أمّه من سورة المسدِ

عرفته يمنيًّا في تلفّته
خوفٌ وعيناه تاريخٌ من الرَّمَدِ

من خضرة القات في عينيه أسئلة
صفر تبوح كعود نصف مُتّقِدِ

رأيت نخل (المكلا) في ملامحه
شمّيت عنب (الحشا) في جيده الغيدِ

من أين يا اِبني ؟ ولا يرنو وأسألُه
أدنو قليلا : صباح الخير يا ولدي

ضمّيتُه ملء صدري إنّه وطني
يبقى اشتياقي وذوبي الآن يا كَبِدي


والمعنى لهذا البيت أن اليمني لكثر متاعبه ومعاناته تجده في شتات وارتباك دائم فهو الذي يبحث عن بعضه ببعضه فلا يجده إلا نسخه واقعية في ملامح ووجوه الآخرين الذين يشبهونه في كل شيء..

في الختام أحببت أن تكون خاتمة هذا الإيجاز بشيء بسيط من تجربتي البسيطة والمتواضعة من خلال هذه الأبيات العامية  التي حاولت أن أصور فيها جزء يسير وبسيط من معانتنا كيمنيين في الموانئ والمنافذ والمطارات وبلدان الاغتراب التي لم تعد تتسعنا وأن قبلتنا واستقبلتنا فعلى مضض:


في مطارات 
المنافـي والشجـن
شفت وجهي ظِـل تايـــه بالوجـوه

شفته أيوه 
غيــر آمــن مطـمـئن
والمـلامـــح كلــها منــه تتــــوه

كل من
صادف في اسفاره يحن
كلهـم مثلــه حــزانى يشبهــوه

في زحام 
لوقت مقـدر يفتهـن
أو يغض الطرف عمـن توهـــوه

والحقيبه
في يــده وجـعى تــــئن
والجـــواز يدعي على من اوجعـوه

يشكي اوجاع
المسافـــه والحــزن
والعيـــون تبكى على اللي ودعـوه

آه يا بــُعـد
الحبــايــب والــوطــن
ليتكــم تإتــوه وإلا ترجِعـــــوه

أو تعيدوا
للـــوطن معنـى اليــمن
بــعدما أهــل المصـالح ضيـــعوه


إيه ماشفنا
ســـواء غير الحنــين
يزرع الآهات فـي جوف الحقايـب

والفـــزع 
والخوف في اعلى الجبين
والألـم والغبن في صدر الحبايـب

كلما عــدت
مـن الـغـربه سنــــين
كلما عُـــدنا إلــى المهجـر كتايـب

نبتسم في 
عيـن والدمعـه بعيــن
علنا نصـنع مـن المـحنه عجايب

هــكذا صــرنا مجـــرد دمعـتين
فـي مــنافـينا تــشكلنا سـحايـب

فامطـرتنا 
غـيمة اللـــوعــة معـــين
في بلدنا نسـقي الجدباء عــذايب

وانتشــرنا
مثلـما الصبـــح المبــين
في ربـــوعك يا يمن بـعد المصايب

مع ذلك تبقى الغربة في وقتنا الحاضر ملاذ آمن وسلام منشود وكيان لبناء شخصية قوية للكثير والكثير من الناس.

أحمد فاضل