د. خالد عبد الكريم - عدن الغد
نداء لإنقاذ جواهر اليمن، عنوان تحقيق صحفي لمجلة GEO الفرنسية في عددها رقم 529 الصادر في مارس/ آذار الجاري. الكاتب كوينتين مولر، إنتهج أدب الرحلات في وصفه لمدن اليمن " مدن قديمة تضررت جراء الحرب، آثار سُرِّقَت ”.
الحرب التي اندلعت في اليمن عام 2014 لم يسلم منها أحد. لا السكان الذين يواجهون أزمة إنسانية رهيبة، ولا الآثار التي تشهد على الماضي التليد للجزيرة العربية السعيدة القديمة. كنوز لا تقدر بثمن هي اليوم في خطر. محاولات دولية سُجلت مؤخرا لإنقاذها.
وفي وصف مأرب يكتب مولير، الأشعة الأولى التي تسبق تصدر الجرم السماوي السماء. تنساب من بين أعمدة عرش ملكة سبأ. نحن بالقرب من مأرب ، مدينة تاريخية وسط اليمن. المشهد. صبي يمشي مُتَّشِحاً سترة من جلد الماعز. زوجان يقفان أمام الأعمدة الستة. نساء يرتدين النقاب الأسود يشاهدن أطفالهن يركضون بين الأنقاض التي صنفتها اليونسكو في يناير /كانون الثاني 2023 على قائمة التراث العالمي المُعَرَّض للخطر . الأنقاض جزء من مملكة سبأ القديمة (القرن التاسع قبل الميلاد) هي بقايا أكبر سد في العالم في ذلك الزمن، في المنطقة، التي تحدها جبال قاحلة وصحراء قاتلة.
هنا كان نظام الري الأول عبر القنوات المائية. ومن هنا مرت قوافل البخور واللبان والنباتات المقدسة بإتجاه مدن موانئ المتوسط.
ممالك معين وقتبان وحضرموت وحِميّر إزدهرت وتعددت فيها الآلهة. ملوكها كانوا حماة
للآلهة وحراسا للطريق. لهذا الغرض شيدوا الحصون. إعتنقوا الديانات التوحيدية اليهودية في القرن الرابع ، ثم المسيحية في القرن السادس.
حدث تخلي تدريجي عن المعابد الوثنية وسقطت المواقع القديمة في طي النسيان. مع ذلك ، لم يتم تدمير أماكن العبادة ولم يتم تحويلها إلى معابد يهودية أو كنائس. ولا فيما بعد الى مساجد.
مأرب اليوم أهم خطوط التماس في حرب اليمن. البلد الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة أصبح قسمين، شمال غربي يسيطر عليه المتمردون الحوثيون، الذين استولوا على السلطة بالقوة نهاية عام 2014 ، وجنوب شرق حيث لجأت الحكومة الشرعية .
حرب اليمن ضربت الآثار في مقتل. جميعها. ليس السد الشهير وحده من تضرر. مواقع كثيرة أخرى في كل اليمن تضررت ، وقطع أثرية نادرة فُقِدَت.
مخاوف كثيرة يعبر عنها مؤرخون عرب وأوروبيون. منظمات دولية تطالب اليوم بحماية التراث الأكثر أصالة والأغنى في الشرق الأوسط.
إن تراث كل حضارة العربية السعيدة مُعَرَّض للخطر . تلك المعابد ، وناطحات السحاب الأقدم، تلك السدود، و المدن القديمة، القطع الأثرية الفريدة من نوعها في العالم. إنها جزء مهم من التراث الإنساني.
مأرب، التي اقتصرت على شارع بسيط قبل عام 2014 ، أصبحت اليوم مكتظة بسكانها وبالنازحين الذين قدموا اليها من مناطق يمنية أخرى هروبا من ويلات ومآسي الحرب. مخيمات النازحين تناثرت على جوانب التلال البركانية السوداء التي تحيط بمركز مدينة مأرب. أسلاك كهربائية مُدّت عشوائيا يمكن أن تتسبب بمخاطر كبيرة، إزدهار لتجارة السترات الواقية من الذخيرة، الجَنَابي (الخناجر اليمنية)، والطعام والحلي. زبائنها من جميع أنحاء البلاد.
في الواقع خلال سنوات الحرب إزداد سكان مأرب، حيث كان عددهم 440.000 الف نسمة، ومع عملية النزوح صاروا 2.8 مليون نسمة.
موظف في فندق حدائق بلقيس، يرتدي سترة صفراء، ينظر الى أفواج النازحين المنتشرين في المساحات التي تغطيها بعض النباتات الصحراوية. يقول "قبل الحرب ، كانت غرف الفندق ممتلئة في أغلب فصول العام، وكانت هذه المروج التي يشغلها النازحون مليئة بخيام السواح الأجانب". وعبر عن أسفه لفقدان مأرب خاصية الجذب السياحي، حيث كانت مزارا وملاذا للمسافرين والسواح الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والإيطاليين الباحثين عن المغامرة والمعرفة لكشف غمار كنوز العربية السعيدة.
اليوم ،غرف الفنادق خالية من السواح الأجانب، الأثاث صار عتيقا. متجر الهدايا التذكارية يحوي بطاقات بريدية إصفر لونها، الخواتم ومعاليق المفاتيح، وقطع خشبية هي نسخ مصغرة لآثار مأرب، تغطيها طبقة من الغبار. أما الكتيبات السياحية لاوجود لها.
الحماية الدولية لآثار مأرب اليمنية فرضتها العروض والإعلانات التي تملأ الفيس بوك ومواقع التواصل عن بيع قطع أثرية يمنية، لا يزال المرء يجد اليوم ، مقابل بضعة آلاف من الدولارات ، مسلات وتماثيل صغيرة لمملكة سبأ ، غالبًا ما سُرقت خلال العصر الذهبي للسطو ، بين نهاية التسعينيات و 2008. أكبر قطعة مسروقة في ذلك الوقت ، ما زالت مهربة خارج البلاد. كان هذا بشكل خاص تمثال الوعل البرونزي من معبد مرياما ، المعبد الذي لم يتمكن علماء الآثار من حفره بسبب المخاطر التي يمكن أن يتعرضون لها. نرى القطع الأثرية اليمنية المسروقة الأكثر شهرة تظهر مجددًا في غرف المزاد في باريس أو جنيف أو لندن أو نيويورك ، ثم في المجموعات الخاصة بالأثرياء.
يرى التحقيق الصحفي الذي نشرته مجلة GEO الخطورة في إمكانية التشويش على مسارات المنشأ الحقيقي لتلك القطع الأثرية المسروقة.