وأنا أعيد التفكير بهذه الورطة الكبيرة التي دخلتها بلادنا ـ اليمن ـ اليمن التي علمونا في المدارس أن إسمها اليمن السعيد من اليُمن والبركة والسعادة وفي الواقع المر لا هي يمن ولا هي سعيد ، ذاك التاريخ البعيد الذي يتفاخر به الساسة والمزايدين لم يعد يهمني شيئ والحاضر الذي أعيشه بهذا السوء والقبح ، غير صالح حتى لعيش الجماد ، فكيف يستطيع إنسان حي العيش في هذا البلد الذي دمره طمع أبنائه وأطماع جيرانه والمحيطين به ، حقد خصومه وخبث حلفائه وأصدقائه.
يعيش هذا البلد ـ الذي يتجرع شعبه منذ سنوات كل أنواع المعاناة ـ من جوع وصل حد المجاعة ومرض تطور للوباء والموت وبطش وتنكيل بكل الأشكال والألوان ، سنوات عنوانها. الجوع والموت ، مقابر وسجون يسكنها شبح التعذيب ظلماً وجورا لكل جمهوري فقد سيادة بلده وأهم مقوماته كدولة كبيرة على الخريطة .
قال اليمنيون قديماً : "من ركنت على سبغ جارته أكلت خسيم .." ويقصد بالسبغ "الإدام" الذي يتناوله المرء مع الخبز أياً كان نوعه ولا زال اليمنيين يرددون هذه المقولة كمَثَل من الأمثال الشعبية اليمنية وهذا المثل يلخص الحالة اليمنية وحالتنا مع التحالف الداعم للشرعية بقيادة السعودية .
اذا بقينا كيمنيين راكنين على السعودية والإمارات ومسِلِّمين أمر إستعادة الجمهورية لهم ، تقول وقائع تجربة ثمان سنوات بأنه حتى إمكانية الأكل خسيم معدومة والجوع والخبز الموجود بين أيدينا سيضيع والهلاك مصيرنا المحتوم وبنصبح في نهاية الأمر لا عنب صنعاء ولا سمك عدن..لم نعد نفهم ماذا يريدون منا وإلى اين يريدوا ايصالنا، في الوقت الذي نكتشف أنهم يتعاملون مع القضية اليمنية كملف مساومة للمقايضات الدولية حفاظاً على مصالح الدول الكبرى وتماشياً مع مخططاتهم اللـعينة ، ليس لليمن وشعبه ناقة أو جمل في هذه المصالح .
ولا أخفيكم عن ثقتي المطلقة بفخامة رئيس الجمهورية الدكتور رشاد العليمي بأنه رجل مرحلة ، يمتلك من الدهاء والخبرة والفطنة ما يمكنه من تجاوز التحديات والقفز على المؤمرات ، كقائد سياسي أكاديمي ، أمني وعسكري يعرف ماذا يريد وماذا يدور في المنطقة وماذا يراد لنا من قبل الحليف والخصم ، العدو والصديق .
مهما كثرت الوعود الأممية وصدرت البيانات الإيجابية التي تصدر بين الفنية والأخرى حول الملف اليمني وصدقنا تحاليل المحليين والخبراء على الشاشات وفي الورق ، علينا أن ندرك إدراكاً تاماً أنه لا سبيل للخلاص من هذه العصابة العنصرية الكهنوتية الإنقلابية إلا بخارطة طريق نضعها بأيدينا ـ نحن اليمنيين ـ تبدأ بوضعنا تركة الماضي وخلافاته ومخلفاته بعيدًا للعظة والعبرة ونتجه صفاً واحدًا خلف فخامة رئيس الجمهورية لطريق توحيد القوة العسكرية وإنجاح عمل اللجنة العسكرية المشكلة برئاسة اللواء هيثم قاسم وتحريك كامل وشامل للجبهات بمختلف المحاور والمناطق العسكرية والمحافظات والمديريات وفق خطة محكمة تغير من الإستراتيجية التي رسمت سابقاً تتفق مع قواعد الإشتباك والتي يقدمها العالم المنافق كمبرر لوقف عملية إستكمال التحرير .
يتوازى هذا الأمر والتوجه عمل سري يهدف لتنسبق شامل وبتنظيم عالي وبمختلف الأشكال في المحافظات والمديريات والعزل والقرى والأحياء والحارات والمحلات الخاضعة لسلطة الإنقلاب الحوثية ، يفضي لتشكيل لجان مقاومة شعبية وإستقطاب الوجاهات والشخصيات والمشايخ وتفعيل لدور الحاضنة الشعبية للحكومة الشرعية والخروج بثورة شعبية مسلحة خروج زمني موحد ، فـ أمام هذا الخروج الشامل والواسع وإشتعال الجبهات بين الجيش الشرعي وهذه المليشيات ، سيكون مصير الحوثي الذوبان بفعل حالة الرفض الشعبي لممارساته الإجرامية ولأفكاره الدخيلة على بلدنا وهويتنا وتقاليدنا والمخالفة للعقيدة الإسلامية والقومية العربية ، وبغير هذا سنبقى فقط شعب مضحوك عليه بالبلدي الفصيح .
لقد وصل الناس ـ سيما اولئك الذين يعيشون تحت سلطة هذه المليشيات الإيرانية ـ إلى حالة الطفح من ممارساتهم الإجرامية وإنتهاكاتهم بمختلف صورها بشكل مستمر ؛ حتى اولئك اللذين شاركوا وسهلوا لها غزو المحافظات والإستيلاء على صنعاء ـ عاصمة البلاد ـ قد سئموا منها ونالهم ما نالهم من الممارسات والبطش والتنكيل ولم يعد هذا الشعب بحاجة إلا لقيادة تقوده نحو التحرير الكامل للبلاد وإنهاء هذه الحقبة السيئة من تاريخنا ، الحقبة التي دفع ثمنها كل مواطن يمني بفئاته وطبقاته ، بأغنيائه وفقراءه ، بشرق البلاد وغربها ومن أقصى الجنوب لأقصى الشمال ، في الأرياف وفي المدن ، من دمائهم ومعاناتهم وأرزاقهم ولقمة عيشهم وكل ما يمس الحياة والبقاء تمت استهدافه.
مالم تدرك قيادة البلد السياسية والعسكرية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي والأحزاب السياسية والمكونات القبلية والإجتماعية أن تحرير البلاد وإستعادة الدولة لن يأتي الا من رؤية يمنية مسارها واضح لا من رؤية أممية وأن تحقيق السلام لن يمنحه العالم الذي لا يرى الا مصالحه وصنعاء لن تعود اذا ربطنا عودتها بالسعودية ودول الخليج والذي أضحى الأمر واضحاً أن الشقيقة الكبرى تتعامل مع ملف اليمن كـ ملف للمساومة عن أمنها ومصالحها سيما مع التغير الدولي الذي طرأ على المنطقة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية ، هذا اذا افترضنا جدلاُ أن لها مشروع مستقل من أساسه وليس أداء بيد الأستاذ الأكبر ، وكما قال الأجداد يا ربعنا : من ركنت على جارته أكلت خسيم والركنة الزائدة على جارتنا الكبرى بيجعل مسألة ملف الحرب في اليمن إلى مالا نهاية فهاجروا إن استطعتم الخروج أو انتظروا الموت المحقق إن غمركم الركون.