وما حقوق حضرموت؟ سؤال قد يكون منطقيا عند من لا يعلم عن هذه الرقعة الجغرافية في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية المطلة على البحر العربي والمرتبطة شمالا بحدود صحراء الربع الخالي مع المملكة العربية السعودية ومن الشمال الغربي مأرب والجوف، المتصلة شرقا بمحافظة المهرة وغربا شبوة، وكلاهما ضمن مناطق إقليم حضرموت وفقا ومخرجات الحوار اليمني.
هذه المنطقة قديمة جدا، بل ضاربة في أعماق التاريخ بل هي أصل العرب حيث مساكن قوم عاد وأرض الأحقاف الذي تحدث عنهما القرآن العظيم، وهذا الاتصال التاريخي العميق والعتيق يؤكد حقيقة لا مرية فيها أن هذه المنطقة التي قامت عليها وعلى مدى حُقب متعاقبة من الزمن ممالك ودول كثيرة ومتكاثرة، كأن التحليل الجيولوجي يخبرنا بما لا يدع مجالا للشك أن أرض حضرموت تمتلك كنوزا عظيمة من الثروات ربما لا توجد مثلها في المعمورة كلها. ولكن حضرموت لم تنعم بها.
هذه حقيقة علم بها يقينا الطرف اليمني الذي أبرم الوحدة مع الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم آنذاك على الجنوب العربي من عدن إلى المهرة لكن الثاني لم يكن يفقه هذه المعلومة الاستثمارية عن حضرموت، حتى وإن افترضنا أنه علم بها فقد رمى بأرضه الغنية في أحضان أرض قاحلة ونفوس ظامئة وعقول بعيدة عن النظام والقانون.
النتيجة جاءت بعد حرب ١٩٩٤م عندما اجتاح الشمال الجنوب وفرض الوحدة اليمنية بالقوة والإرهاب، صاح حينها زعيم قبائلهم الأحمرية؛ "النهبة" فنهبوا كل شيء ثمين وجميل من أرض وثروة وخيرات واستحوذوا عليها وعبثوا بالهوية وبالتاريخ الحضرمي خصوصا، والجنوبي عموما. فتم توقيع الاتفاقيات الاستثمارية في قطاعات النفط والغاز والذهب بطريقة الاستحواذ والنهب والفساد فلم يمض عقدان من زمن الوحدة فقط إلا وارتفعت مستويات أرقام أرصدتهم بطريقة سريعة وقياسية حتى وصلت إلى أرقام فلكية مهولة، حتى أطلق عليهم شعار "من الصندقة إلى الفندقة".
حضرموت كانت البقرة الحلوب للجميع بدءًا بالوافدين إليها من الجنوب العربي فحكموها أيام الاحتلال البريطاني، مرورا بثوار الجبهة القومية، ومن بعدهم ديكتاتورية وشمولية الحزب الاشتراكي، وحتى عهد الوحدة اليمنية المشؤومة عليهم حيث أطبقت على كل نفس يمكن يتنفسه الحضرمي ليصبح مهاجرا مغتربا خارج أرضه، وفئاما من أفراده تابعا خنوعا مستسلما لسطوة "اليمني الشمالي" بل ممجدا ومحبا لقاء بضعة آلاف من الريالات ومكاسب شخصية وهو يهدي لهم ثروة عظيمة عظيمة!
حاول الحضارم النهوض من الغفلة بهبة حضرمية عام ٢٠١٣م بقيادة سعد بن حبريش زعيم قبائل الحموم الذي قتل برصاص يمنية مدخل مدينة سيئون بوادي حضرموت، واجتمعوا مع القبائل الأخرى في حلف قبائل حضرموت وانطلقت هبة عارمة كانت في نظر الكثير مجرد اختبار لطاقة وقدرة الحضارم على أخذ حقوق حضرموت بل وانتزاعها من فم الغاصبين لها.
وتجاوزا للتفاصيل فقد فشلت الهبة الأولى ولم تستفد منها حضرموت وتحقق أهدافها التي رسمها سعد رحمه الله.
حاول الحضارم الاجتماع كرة أخرى أيام حكم اللواء أحمد بن بريك على المحافظة فأقاموا مؤتمرهم الجامع وكاد أن ينجح حتى ظهرت بوادر الانقسام بظهور ما يسمى بمرجعية وادي وصحراء حضرموت التي قامت كانفصام لعرى الوحدة الحضرمية بوجود حلف حضرموت ومؤتمر الجامع وهذا الانقسام يخدم تماما أعداء حضرموت الذين جعلوها بمثابة القصعة التي لا يمكن التفريط في وجباتها الدسمة.
حرب الشرعية ضد الانقلابي الحوثي لم تغير من الأمر شيئا، حتى وإن هرب الناهبون المتنفذون لثروة حضرموت إلى خارج اليمن وتركوا قصورهم في صنعاء يعبث بها الحوثة، إلا أنهم استطاعوا المحافظة على مكتسباتهم وثرواتهم من خلال أبناء حضرموت أنفسهم الذين يدينون لهم بالولاء إما لمكاسب شخصية أو ولاء حزبيا إسلاميا أو علمانيا.
وفي أواخر أكتوبر من العام الجاري اجتمعت قبائل ومنظمات مجتمع مدني تحت مسمى كتلة حلف وجامع حضرموت من أجل الجنوب وكانت مخرجات اللقاء الذي عقد في وادي المسيلة (حرو) كلها تؤكد على إعطاء حضرموت حقوقها في مناصفة الثروة ودفع مستحقاتها المتأخرة وتجنيد الشباب وتوحيد المنطقتين العسكريتين إلى منطقة واحدة وتكوين مقاومة وطنية حضرمية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين بضبط وتخفيض الأسعار للسلع والمشتقات النفطية والقضاء على الفساد.
هذه الهبة التي أوقف شبابها قاطرات النفط الخام والشاحنات، أيدتها العديد من القبائل الحضرمية ومعهم المجلس الانتقالي الجنوبي أحد طرفي اتفاق الرياض، وخالفها بالطبع تنظيم الإخوان اليمني ومن تضررت مصالحه وماتزال محاولات الإقناع من أطراف عدة بالعدول عنها جارية، والناس تترقب وتتساءل هل ستنجح حضرموت هذه المرة في انتزاع حقوقها؟