آخر تحديث :الأربعاء-18 يونيو 2025-09:04م

حكايتي مع الزمان (15) .. كبرت تلك الطفلة لتصبح إمرأة متمردة

الإثنين - 07 يونيو 2021 - الساعة 12:46 ص
ايمان ناصر

بقلم: ايمان ناصر
- ارشيف الكاتب


في حكايتي مع الزمان سطرت تفاصيل مراحل كثيرة..
ولكنني اختصرت كثيراً مرحلة الطفولة ،لم اتذكر بأنني كنت طفلة ذو عقل صغير، كانت نظرتي للأشياء تختلف عن سائر الأطفال ،حتى اني لم أتذكر بأني كنت غيورة  أريد مثل لعبة صديقتي.
وهذه سمة اتصف بها أنا وإخوتي منذو الصغر،إذ غرس الله فينا القناعة، فلا نلُح بطلب الأشياء حتى لانجعل أبانا يحزن بسبب عدم استطاعته على تلبية طلباتنا.
  كُنا جميعنا بتصالح مع أنفسنا رغم طفولتنا .

لن أنسى أول يوم بالمدرسة كنت في قمة الترتيب والأناقة وكنت جداً سعيدة عكس جميع الأطفال الذين  غالباً ما يكون أول يوم لهم بالمدرسة مربك للغاية.
 أخذتني أختي الكبيرة وأخبرتني بأن هذه هي مدرستي ، وهذا هو فصلي ، واخبرتني أن أنتظر أخي  بعد أن تنتهي جميع حصصِِ
( كان أخي أكبر مني ويدرس في الصف الثامن في نفس المدرسة) وذهبت وتركتني أحارب خوفي وقلقي وتوتري من زملاء الفصل، و لن أنسى علاء حين ناداني قائلا: اجلسي بجانبي..
كان طفل خلوق لم أنساه وإن رأيته الآن سوف أتذكره ،مازلت أتذكر تفاصيل وجهه الملائكي...
ببراءته كسر ذاك الخوف.. وعرض علي بخجل  بأن نكون اصدقاء في الفصل.

وهكذا كل يوم نذهب سوياً أنا وأخي وعند انتهاء حصصي انتظره بثقة بأنه سيأتي، واترقب صوت الجرس، وحين يقرع أبتسم وأنا أنظر للطلاب عند خروجهم، واترقب بشغف خروج أخي الذي أذهب إليه مسرعة بمجرد أن أراه ياخذني بيدي ونعود سوياً إلى البيت وبمسافة الطريق هنآك تفاصيل جميلة بين الركض واللعب ويعجبني حين يحملني على كتفه واخربش بنعومة يدي وجهه واغمض عيناه لكي لا يرى الطريق.

وفي يوم من تلك الأيام وأنا أنتظر خروج أخي كالعادة وطال انتظاري وخرج جميع الطلاب ،ولم ياتي.. ولكن ثقتي كانت تخبرني أنه سيأتي حتماً لا تقلقي.
 لم أعد أرى ذاك الازدحام ، عيناي تراقبان بوابة المدرسة متأملة أن أخي سـيأتي ولكنه لم يأتي..
رئاني صديق  أخي الذي لا اعرفه وأنا أنتظر بمفردي..أخبرني أن اخي قد ذهب ولن يأتي وانا صديقه .وقال بأن  أخذك إلى منزلك..
ولكني لم أثق به فقد قرأت ملامحه ووجدتها مخيفة ونظراته خطيرة  فحذرت منه، عندما تزاحمت الأفكار  بقيت على يقين بأن أخي سيأتي .
حينها لم أكن أعلم ماذا خلف تلك الملامح الخطيره سواء أنني واثقة بأن أخي سيأتي وأخبرني بأن لا أذهب إلى مكان  وأن انتظره واليوم وانا اتذكر الحكايه  أيقنت بأنني لو كنتُ ذهبت مع هذا الشيطان لكنت الآن في علم الغيب في ذاك الوقت طفله رفضت الذهاب معه ولا اعلم غير أنني لا أريد وكفى  .

خرج جميع الطلاب من المدرسة وذهبوا وانتهت الفترة الصباحية ودخل طلاب فترة الظهيرة ومازلت أنتظر أخي بثقة...

صوت ذاك المدير مازال بمسامعي ولكن لم أستمع إليه أو اكترث له، لا أعلم من أين أتتني القوة، أراه يتقدم متجهاً نحوي وبنبرة صوته العاليه يقول : ماذا تفعلين هنا...؟
اذهبي إلى فصلك...؟
 أنني في  أولى ابتدائي وانتظر أخي ..
قال: لم يبق أحد هنا، الجميع ذهب. هل تعرفين أين منزلك...؟  لكي اصطحبك ..
نعم أعلم أين منزلي ولكن أخي قال لا تذهبي إلى أي مكان وسيأتي..
فقال طلاب الفترة الصباحية خرجوا جميعاً ولم يبق أحدً .. ولكنني لم أستمع له وقلت له لن أذهب.. وأقبلت نحوي معلمة بشوشة الوجه عريضة البسمة طيبة الرائحة تنبع من أعماقها عطف ، وحنان  وقالت سأصطحبك أنا والمدير إلى منزلك هل تعرفين أين منزلك..؟
نعم أعرف...
وذهبنا بالسيارة وكنت أصف لهم الطريق وكانني فتاة ولستُ طفلة. كان بيتنا يبعد عن المدرسة كثيراً..
وحين وصلنا أخبرتهم أن هذا هو منزلي.. فنزل المدير معي ليتأكد، وفتحت أمي الباب فقال لها لم تفقدون ابنتكم ..امي انصدمت وأذكر أنه كان يسألني هل هذه امك ..؟أخبرته نعم وذهب..
وجدت إخوتي جميعهم  على مائدة الغذاء ولم يفقدني أحد أخي يقول لأمي نسيت ، ذهبت مع أصدقائي و أنساني الشيطان ..
"لا ألوم أحدًا لا ألوم  أمي لأنها لم تفقدني ولا ألوم أبي كذلك لانه طول النهار في العمل فـ عددنا الكثير والحمل  الثقيل جعل أمي  لم تفقدني . كنتُ بغاية الهدوء لدرجة أني إذا غبتُ لا أحد سـ يفقدني ؟؟؟؟ .
أحب كثيراً الحكاية هذه، تجعلني أكثر فخر بنفسي لأنني كنتُ ذكية لدرجة أنني أثق بأن أخي سيأتي وبأن التمس لأمي عذرا ولأنني لا أثق في الناس لم أخاف على الإطلاق ولم اخاطر.

(( طفلة ولكنني حكيمة ))  

كبرت تلك الطفلة البريئة التي تثق  بمن تحب لتصبح امرأة متمردة وتستمر حكايتي مع الزمان.