لم يفصل بين دخول العام الهجري الجديد واليوم الوطني السعودي سوى يوم واحد، هو يوم الجمعة، وهو بذاته عيد أسبوعي روحي صغير للمسلمين. فعاش السعوديون، ومن يحبهم من جيرانهم وأصدقائهم سيلاً من التهاني والتبريكات، واستحضار واستلهام الدروس، من الهجرة النبوية، والسيرة النبوية العظيمة المعاني والقيم، ثم الذكريات والآمال من ذكرى يوم الوحدة والتأسيس.
الدروس النبوية الشريفة تجعل المرء يستحضر المعاني العميقة والجميلة لهذا الدين وتنظيمه العلاقة بين البشر بعضهم ببعض، وبينهم وبين خالقهم، العلاقة التي أفقدتها مرحلة ما عفويتها وفطرتها الأصيلة، وكادت أن تسير بالبعض في دروب التشبث بقشور وأفكار تحاول – وقد نجحت نسبياً- أن تقولب الجميع في قالب واحد.
الذكريات تبدأ من استحضار مرحلة التأسيس وملامح تاريخ المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيّب الله ثراه، الذي لا تزال الدراما والفنون والإبداعات الأخرى مقصّرة في إنتاج ما يحضّ الأجيال الجديدة على الارتباط بالتاريخ، تاريخه، وتاريخنا، ومعرفة المزيد عن «كيف وصلنا إلى هنا»، إلى مرافئ الاستقرار والأمان، وإلى ثمرات تنمية نضج أغلبها، ولا نزال نصلح غراساً هنا، وآخر هناك ليكون محصول التطور والازدهار كاملاً مكتملاً، يانعاً يسرّ الناظرين، القيادة والشعب.
قد لا تكون السعودية بلغت كل القمم التي تروم نهضوياً وحضارياً، ولكنها تحتفظ بقمم ارتكازية في منظومة التقدم التي ترتكز عليها أي دولة مهمة، وكبيرة، وعريقة، ولها ثقلها في العالم. فهي على مستوى الاستقرار السياسي، والأمن الداخلي، وعلاقة الشعب بالقيادة، والاقتصاد القوي، والمكانة العالمية، والتأثير في القرار الأممي الإسلامي والعربي قد بلغت القمم وتحافظ عليها باستمرار ولا تركن إلى الوصول إليها قط.
في مناحٍ أخرى السعودية ليست بعيدة عن القمة، وستصل إليها قريبًا، وهذا ليس حديث الثناء والمجاملة، إنه حديث المؤشرات الشعبية، والانفتاح على مزيد من التعبير، ومناقشة رؤية مستقبلية وضعت إطارها العام، وتقبل النقاش والتجدد باستمرار، وهي قمم تحسين جودة الحياة بتحسين مستويات التعليم والصحة والثقافة والترفيه، وقمم التغير الاجتماع الإيجابي المبني على كسر قيود واهية أمهلها الوعي السعودي الكامن في الأذهان والأرواح كثيراً، لكنه لم يهملها.
قمم التقدم التقني، والصناعي، والحفاظ على البيئة، و»استرجاع» حقوق المرأة، وغيرها من الملفات التي لا يعني أنها عندما لا تكون في القمة أن هذا دليل على أنها في القاع، بل إنها تسير إلى فوق تحفّها وتساندها وتزرع الثقة فيها القمم التي أصبحنا فيها بالفعل.
في المسيرة التنموية شهدنا فترات لمسابقة الزمن، ولم يكن – في بعض الحالات- في الأمكان أحسن مما كان نتيجة نقص الكوادر، أو ضعف الخبرة، وهما الأمران اللذان تلاشيا تقريباً، ومع تشديد الرقابة على الأداء، والتركيز على مكافحة الفساد سيكون كثيراً مما يأتي أحسن ما يكون.
السعودية والسعوديون في ما أرى من أكثر دول وشعوب المنطقة استفادة من أخطائهم اولاً، ثم من أخطاء الآخرين، وهي وهم ربما تمهلوا قليلاً في بعض الملفات، لكنه تمهل من يحاول الإتقان، ومن يسعى إلى الخروج من وضع معين بأقل الخسائر.
لن تنسينا الأفراح والاحتفالات أحزان الآخرين، ولكن حقنا على أنفسنا وحق بلدنا علينا ألا يصادر أحد الفرح بدعاوى واهية، ونيات تتلوّن باستمرار.
كل عام ووطني، وأوطانكم أجمل وأفضل.
*نقلا عن " الحياة"