سقاف بن علوي أحد أبرز حكماء يافع ، عاش في القرن الثالث عشر الهجري ولا زال الناس حتى يومنا هذا يستشهدون بحِكمه ، وقد بذلنا جهداً كبيراً ولا زلنا مستمرين في البحث والتقصي وتتبع أثر وسيرة هذا الحكيم حرصاً منا على إيفاء هذا العلَم حقه في رصد وتوثيق سيرته وحكمه البالغة الأهمية ،وتقديمة للمتلقي وتعميم الفائدة، الحقيقة أن قامة كهذه جديرة بالاهتمام .
فالتاريخ تصنعه الرجال والحكيم سقاف بن علوي أحد الرجال الذين اسهموا في صناعة جانب من أهم جوانب الحياة في مسقط رأسه يافع، وعلى الرغم من صيته الذائع وشهرته الواسعة وترديد الناس الدائم لذكر اسمه وما تدور على ألسنتهم من قصص وأمثال وحكم منسوبة إليه إلا أنه ومع الاسف الشديد لم نصل إلى ما يروي عطشنا في الحصول على معلومات كافية عن سيرة وحياة هذا الحكيم ولم يصلنا إلا النزر اليسير ، حتى اننا لم نحصل على اسمه الكامل غير اسمه واسم آبيه (سقاف بن علوي) .
وفي يوم من الأيام تذكرت انني حين كنت أرجع للبحث والتفتيش في الوثائق والمخطوطات التاريخية التي بحوزتي من ان اسم سقاف مر علىَّ وتكرر كثيراً في عدد من هذه الوثائق ، وبما اني كنت ضمن قوام الآلاف من كوادر الجنوب السياسية والإدارية والعسكرية الذين تم إقصائهم وتهميشهم واطلق عليهم مصطلح:( خليك في البيت ) و بحسب المثل الشائع : ( رب ضارة نافعة) فودتها فرصتاً مناسبة لتنفيذ مشروعي الذي طال ترحيله وتأجيله أكثر من مرة بسبب التزاماتي الرسمية، والمشروع هو فرز وتصنيف وفهرسة الوثائق والمخطوطات التي ورثتها عن آبائي وأجدادي رحمهم الله ولشدة إعجابي بهذه الشخصية وجدتها فرصة للبحث في هذه الوثائق عن اسمه وما يلبي حاجتنا من معلومات عنه وعلى الفور قررت الاعتكاف في البيت واعتزلت الناس واغلقت على نفسي الغرفة غارقاً وسط الكم الهائل من الوثائق والمخطوطات، وكنت لا أخرج منها إلا لتناول وجبات الغذاء وموعد الذهاب لغرفة نومي من بعد صلاة الفجر وحتى الثامنة صباحاً، امتدت فترة الاعتكاف من 2/7/حتى 23/9/1997م , مدونة في مذكراتي اليومية ، وكانت ثمرة هذا الجهد المضني العثور على وثيقة يتيمة ( حكم عرفي ) تعود للعام 1253هـ ،تضم اسمه الثنائي ( سقاف بن علوي) كــ(شاهد) رغم مروري على مئات من الوثائق تتضمن اسم سقاف ولكنه ليس بسقاف الحكيم من نبحث عنه.
لقد اختلفت الروايات بين من ينسبه إلى أهل يزيد وبين من ينسبه لأهل بن الناجي ذي ناخب لكن المؤكد انه يزيدي وكان يسكن عند أهل بن ناجي هذه المنطقة التي تقع بين الحدود القبلية لمكتب اليزيدي ومكتب الناخبي حتى ان أحد الشعراء قال في ذلك البيت الشعري التالي:
( لا نا يزيدي ولا نا ناخبي خالص)
ونتناول بحسب الروايات نماذج من حِكمه وهي على سبيل المثال لا للحصر كما يلي:
(1) من خبره يقال : أن العلاقة توترت بين عشيرتين أو قبيلتين نتيجة خلاف وصل لحد تفجير الموقف ، وفي أحد الأيام كان شخص من إحدى القبائل المتخاصمة يستضل تحت شجرة (علب) سدر وارفة الضلال شاهقة الارتفاع فشاهد على بعد أحد أفراد القبيلة الخصم، فقرر الصعود إلى أعلى الشجرة قبل ان يصل إليه الخصم تجنباً لأي احتكاك قد يؤدي إلى تفجير موقف ظناً منه ان الرجل لم يشاهده، تسلق الشجرة.
وأثناء مرور الغريم تحت الشجرة سلم على غريمه الذي في أعلى الشجرة، فأرتبك الرجل وأفلت الغصن الذي كان ممسك به ليرد السلام فسقط ومات في الحال فاعتبرته قبيلته قتيل القبيلة الخصم فتم الحشد لغزوها والأخذ بالثأر، وبادرت القبائل والمصلحين من كل مناطق يافع لدرء الفتنة وإيجاد حل وباءت كل هذه الجهود بالفشل وفي أخر لحظة أهتدى بعض العقلاء للاستعانة بالحكيم سقاف بن علوي وذهبوا إليه وطلبوا منه أن يتدخل في حل الخلاف، وعدهم الرجل بالحضور ، وحسب الموعد في المكان والزمان المحدد في قرية قبيلة (الميت) حضر سقاف بن علوي ودخل المجلس الذي كان يكتظ برجال القبائل من مختلف المناطق لكنه لم يلقي عليهم التحية والسلام فأستغرب الناس من معله ومخالفته للشرع و( العادة) فقالوا له ما يعبَّر عن استغرابهم واستنكارهم ، فرد عليهم سقاف بن علوي ( السلام عندكم يقتل) وسأتسبب في قتل كل من في المجلس، فكان رده هذا الحكم الفصل في القضية.
(2) ومن خبره يقال: ان رجل أشترى رطًلاً من التمر وأخذه معه للبيت ووجد زوجته بجانب البيت تقوم بتفليق الحطب وإعداده للوقيد والطبخ فجلس على حجر وطلب من زوجته القعود بجانبه وبدا هو وزوجته بأكلاء التمر يرميان النوى إلى البَرْحة المساحة التي بجانب البيت والمليئة بالأحجار والأتربة ، بعد الانتهاء من أكل الرطل التمر بالكامل ، قال الزوج لزوجه كم عدد التمر الذي أكلنا قالت له زوجته لا أدري فقال الزوج عليك القيام بجمع النوى وعدها قالت له وكيف لي ان أقوم بجمعها وقد تناثرت في كل مكان في هذه المساحة الشاسعة والمليئة بالأحجار والتراب والمخلفات فقال لها إذا لم تفعلي ما أأمرك به فأنتِ ( طالق) لم تتمكن المرءة من ذلك ، فأراد الرجل بعد فعلته هذه ان يتحلل من يمين الطلاق فذهب لعدد من الفقهاء ليجدو له حل ومخرج إلا ان جميعهم ردوا عليه من أنه طلاق بائن ولا يوجد حل ، وبعد أن يأس اشار عليه بعض العقلاء من الناس بانه لم يبقى معه غير الذهاب للحكيم سقاف بن علوي، ذهب الزوج على الفور إليه وشرح له ما حصل فقال له سقاف بن علوي أن يشتري رطلاً لآخر من التمر ويقوم هو وزوجته بأكله ورمي النوى إلى مكان معين محدود ومن ثم تقوم زوجته أو مطلقته بعد الانتهاء بجمع النوى وعدها وكان هذا هو الحل الفصل وفعلاً أوجيز من قبل الفقهاء.
ملاحظة: أرجو التكرم شاكراَ لكل من لديه معلومات عن هذا الحكيم بالتواصل معي على عنوان البريد الإلكتروني الإيميل([email protected]) وله مني بالغ التقديري وفائق الاحترام.