في كلمته بمناسبة الذكرى ال ٥٨ للاستقلال الوطني ٣٠ نوفمبر، لم يكتفِ الرئيس علي ناصر محمد بإلقاء كلمات احتفالية أو استعراض تاريخ الماضي، بل جاء خطابُه محملاً بألم اليمنيين وهمومهم، كأنه يشاهد وطنه يحترق أمام عينيه، ويقف عاجزاً عن إطفاء النيران، إلا أن قلبه ووجدانه لم يسمحا له بالتوقف عند مجرد الشكوى.
لقد جسدت كلمته وجدان رجل دولة عاش تجربة الحرب وفهم معنى الوطن، ليس كرجل سياسي فحسب، بل كأب يراقب بيته يتحطم أمام صراعات لا تنتهي، كأنها سيل جارف يمحو ما تبقى من قيم الدولة والشراكة الوطنية.
# الحرب المستمرة، هي أكثر من مجرد صراع
أشار الرئيس إلى أن الحرب التي بدأت عام ٢٠١٥م دخلت عامها الحادي عشر، وتستعد للعام الثاني عشر، لتصبح أطول صراع يمني في العصر الحديث. ما زال اليمنيون يعيشون نكبة بعد نكبة، تتوالى فيها المآسي الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، بينما الميليشيات ومشاريع الخارج تتسيد المشهد السياسي، والسلطات المحلية عاجزة عن حماية المواطنين.
# الفرق بين وجدان علي ناصر محمد وما يقدمه الآخرون
في الوقت الذي تحدث فيه كثيرون عن هذه الذكرى، جاءت كلماتهم جامدة، رسمية، بعيدة عن وجدان المواطنين اليمنيين. كلمات لا ترتقي إلى حجم المعاناة التي يعيشها الشعب، ولا تستشعر الألم الذي مزقهم الحرب، ودمر آمالهم وطموحاتهم، ومزق النسيج الاجتماعي لليمن، وترك المواطن يعيش في فقر وجوع ومرض داخل وطنه.
أما السياسيون اليوم، فقد أصبح حالهم مزيجاً من فقدان الثقة بالنفس والارتماء في أحضان الخارج، والعمل لصالح مشاريع لا تعكس مصالح الشعب اليمني، ولا تحترم سيادة أرضه ووطنه. هذه الفجوة بين المسؤولية الوطنية الحقيقية والالتزام المهني والسياسي هي ما جعل خطاب علي ناصر محمد يتألق ويبرز كضوء في الظلام.
# الرئيس علي ناصر محمد: قلب يعاني مع الوطن
ألم الرئيس في كلمته لم يكن مجرد شعور شخصي، بل وجدان وطني حي. تحدث عن حضرموت وكأنها بيته، عن اليمن وكأنها جسده، عن شعبه وكأنه أبناؤه. كل كلمة تنضح بالمحبة والخوف على مستقبل الوطن.
إنه لم يكتفِ بالتعبير عن الألم، بل وضع خطة استراتيجية واضحة للخروج من الأزمة، تعكس تجربة سياسية عميقة وفهماً حقيقياً لواقع اليمن. إنها رؤية شاملة تُعيد الاعتبار للدولة وللشعب، بعيداً عن الانقسامات والمصالح الصغيرة والوصايات الخارجية.
# خارطة الطريق التي يقترحها
الرئيس علي ناصر محمد رسم خطوات عملية للخروج من الانهيار:
وقف الحرب فوراً: لأنه لا يمكن لليمن أن يتقدم بينما الحرب تحوله إلى ساحة لصراعات لا طائل منها.
مؤتمر وطني شامل داخل اليمن: يجمع كل القوى السياسية والمدنية، ويستبعد الإقصاء والتهميش.
إعادة بناء الدولة بسلطة واحدة: حكومة انتقالية موحدة، جيش وأمن وطنيان، وسلطات تشريعية وقضائية متماسكة.
دستور جديد يعكس إرادة الشعب: يمنح اليمنيين حقوقهم ويحمي استقلال القرار الوطني.
حماية الجنوب وحضرموت: الحفاظ على مناطق السلام ومنع تحويلها إلى ساحات صراع.
استقلال القرار الوطني عن الخارج: اليمنيون وحدهم هم من يصنعون السلام والدولة.
# رسالة وجدان وحرص على اليمن
ما يميز خطاب الرئيس علي ناصر محمد هو الدمج بين العاطفة والواقعية. إنه لا يقدم حلولاً نظرية أو شعارات فارغة، بل خارطة طريق عملية، صادرة من قلب عاش مع اليمنيين سنوات الألم، وعرف كيف تتحطم الدولة، وكيف يمكن إعادة بناءها.
كل كلمة من كلمته كانت نداءً للاستيقاظ الوطني، كل فكرة كانت مؤشراً للحاجة إلى التوحد والابتعاد عن المشاريع الصغيرة والمصالح الخارجية. لقد أعاد للرؤية الوطنية معنى الواقعية، وأكد أن الحل لن يأتي من الخارج، بل من إرادة اليمنيين أنفسهم، القادرة على إعادة الدولة والشعب إلى مكانهما الطبيعي: السلام والاستقرار والكرامة الوطنية.
# الخاتمة
اليوم، بعد أكثر من أحد عشر عاماً من الحرب المدمرة، تحمل كلمات الرئيس علي ناصر محمد رسالة أمل قوية: اليمن يمكن أن ينهض من جديد إذا اجتمع أبناؤه على مائدة واحدة، وإذا وضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار صغير وزائل.
إنها دعوة لكل القوى اليمنية، ولكل من يحمل هم هذا الوطن، لإعادة النظر في الطريق الذي سلكه اليمن منذ ٢٠١٥م وللتفكير بشكل جماعي في خطة واقعية لبناء دولة يمنية مستقرة وآمنة، على ترابها الوطني، بإرادة شعبية خالصة، بعيداً عن وصاية أي قوة خارجية.
الرئيس علي ناصر محمد لم يتحدث فقط كرئيس سابق، بل كقلب ينبض بالحب والحرص على اليمن، كوجدان حيّ يرفض أن يرى وطنه يحترق بلا أمل، وكصوت يصر على تقديم حلول عملية للخروج من الكارثة الوطنية.
✍️ عبدالعزيز الحمزة
الاثنين ١ ديسمبر ٢٠٢٥م