دائما ما تستحوذ على الأفراد والأسر والمجتمعات رغبات التفرد في التصرف والتملك دون إعطاء الفرصة للاخرين في المشاركة والتفاعل الجيد والمقبول في التصرف والإدارة والتملك بل وتتفاقم عند البعض الرغبة الجامحة في الإستحوذ دون ترك للاخرين الفرصة الحرية في الشراكة لذلك غالبا ما تنتهي تلك الشراكات بالفشل إن لم تتحول ذريعة للاقتتال والتناحر الدائميين.
لهذا لم تختلف رغبات كل حكومات الشمال ومواقفها في التعامل مع الجنوب ولطالما كان الجنوب كنز يفتح شهية الشماليين ويعزز رغباتهم في الإستحواذ عليه والسيطرة على كل مفاصله والإستفادة القصوى من كل خيراته وإقتسام كنوزه وتوزيعها على الطبقة السياسية الحاكمة من مختلف المشارب السياسية والمذاهب العقدية ورغم إختلافهم وإختلافاتهم في كثير من الأمور والقواعد الخاصة بهم والطقوس والعادات إلا إنهم إذا كان الجنوب ضمن مشاريعهم الإستحواذية يتفقون وتتوحد رؤاهم وتتفق مصالحهم ويسيرون تحت مظلة قيادة واحدة مشروعها إذلال الجنوب والسيطرة عليه واقتسام ثرواته وسلب كنوزه وسلب موارده وتحويله إلى محمية تحت مبررات واهية وشعارات قومية فضفاصة اسموها عبثا الوحدة في مشاريع إتحادية فاشلة منقوصة وهم في ذلك يستخدمون بعض الشخصيات الجنوبية من خلال إشراكها في الإدارة الشكلية للبلاد وتقليدها مناصب وهمية من أجل اكتمال أجندات مشاريعهم الإستحواذية المحضة تحت مظلة الوحدة.
وقد لوحظ ذلك في عام ١٩٩٤م عندما تفتت مطامع الشماليين وتلاشت احلامهم في استمرار مشروع الوحدة الذي تحول إلى إحتلال تحت شعار الوحدة ولم يكن بالمستغرب فشل مشروع الوحدة للاختلالات التي لابست الأتفاقيات المبتورة والتي لم تتبنى الأسس لضمان استمرار وحدة حقيقية تحقق احلام وطموحات الشعب في جنوب اليمن وشمال اليمن بل كانت قواعد منقوصة مبتورة لم تضع الضمانات الأكيدة لصيانة وحدة متينة على أسس واضحة لهذا سرعان ما تبددت الأمال وانكشف عور الأتفاقات وبدأ الشقاق الذي انتهى باندلاع حرب صيف ١٩٩٤م والتي كشفت مطامع الشماليين قيادة واحزاب وقبائل وافراد إذ اضهرت الأحداث النوايا المبيتة في الأنقضاض على الجنوب من خلال سلوكيات تكتيكية انتهجتها القوى الشمالية في تفكيك الجيش الجنوبي وابتلاعه من خلال زجه في محافظات شمال الشمال وإدخاله في صراعات قتالية مع وحدات شمالية مدعومة بالقبائل ومن خلال شراء بعض القيادات ودمجها في مشروعها الاستعماري ومن خلال الاستفادة من العناصر المهزومة في حرب يناير١٩٨٦م والأستفادة من تواجدها في الشمال واحتضانها من اجل الأستفادة منها واستخدامها في اجتياح الجنوب.
ومنذ ذلك الوقت بدأ الجنوبيين نضالهم لاستعادة الجنوب وانطلاقا من عام٢٠٧م الذي بدأ بمطالب حقوقية للعسكريين والمدنيين الذين طالهم التهميش وحرموا من وظاىفهم ورواتبهم كإجراء عقابي حتى تصاعد النضال ليصل ذروته في مراحل مقبلة.
وما ان وجد الشماليين سقوط حلمهم واطماعهم في استمرار السيطرة على الجنوب بسقوط نظام صنعاء بعد احداث فبراير٢٠١١م وسقوط رمز النظام في٢٠١٣م حتى تفجرت خبايا نواياهم وعاودوا محاولة الأجتياح تحت مبرر الحفاظ على الوحدة التي وئدت بعد أيام من قيامها وانطلاق عداد حساباتها بالنسبة للجنوبيين.
وفي كل محاولة للاجتياح يستخدم الشماليون الغطاء الديني لاستيقاظ همم اتباعهم مسلوبي الإرادة تارة بقتال الكفرة الشيوعيين على حد زعمهم واخرى بالحفاظ على وحدة المسلمين زعموا وهم في ذلك لا يتوانوا عن اصدار الفتاوى الشرعية من منظورهم الهابط وفهمهم القاصر ونواياهم الاستعمارية الكهنوتية المغلفة باسم الدين لاستجلاب مشاعر اتباعهم الذين يمارسوا ضدهم التهميش والتجهيل لاستخدامهم وقود في المعارك التي تحقق اطماع الطبقة السياسية والدينية الطائفية العليا.
وفي كل مرحلة من مراحل الأجتياح لابد من استخدام غطاء جنوبي بتوظيف بعض ضعاف النفوس من ابناء الجنوب وتعينهم في وظائف ومناصب وهمية لإضفاء شرعية على الإجتياح بأنه يمني موحد .
لم تعد مطامع الشماليين ورغبتهم في الاستحواذ على الجنوب بالأمر الخفي بل باتت معلومة وواضحة ومكشوفة والجنوبيون في كل مرحلة يتصدوا لكل تلك المحاولات ويسقطوها باصراهم الحفاظ على الجنوب حر بعيد عن التبعية والسيطرة.
الوحد حلم كل الجنوبيين والشماليين لكن تحقيقها بالصورة التي تحقق طموح الشعبين يحتاج إلى مزيد من نضال الصادقين وفق اسس وقواعد منضبطة تكفل حقوق الجنوب في ظل وحدة عادلة واضحة المعالم والأهداف.
لن تجني الوحدة ثمارها المرجوة إلا إذا سبقتها صدق النوايا المنظبطة بالاهداف والمواثيق والأعراف تحت إشراف اقليمي ومباركة عربية واشراف دولي وعلى أسس واضحة الضمانات دون تعجل والسير بها نحو مراحل تضمن لها الإستمرار والبقاء واتيان ثمارها التي سينعم بها كل الشعب في شماله وجنوبه.
عصام مريسي