آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-09:25م

واقع وتحديات الإذاعات المحلية

الثلاثاء - 13 فبراير 2024 - الساعة 03:26 م
رأفت رشاد باقي

بقلم: رأفت رشاد باقي
- ارشيف الكاتب


في عصر تتجدد وسائل الاتصال والإعلام لقد ظن صانعوا التلفزيون ان عهد الإذاعة قد انتهى، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان استمرت الإذاعة بل اوجدت لها مكان في هذا التطور في عصر الإنترنت وعصر مواقع التواصل الاجتماعي (إذاعة متجددة، لعالم متجدد)

يُحتفل باليوم العالمي للإذاعة في 13 فبراير سنوياً، وهو فرصة لزيادة الوعي بأهمية البث الإذاعي ودعم الوصول إلى المعلومات وتحسين التواصل والتعاون.

الإذاعة واحدة من أقدم وسائل الاتصال الجماهيرية، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الإذاعة واحدة من أقوى الوسائل التي يمكن أن تؤثر في مختلف شرائح المجتمع. ويمكن قياس ذلك بعدد الساعات التي يمكن أن يقضيها الإنسان، وهو يستمع إلى الإذاعة. يأتي على رأس البرامج الإذاعية، إذاعات القرآن الكريم، وهذا الاستماع يجعل كافة الأفراد يضبطون مؤشر الإذاعة على القرآن الكريم بالساعات الطولية، في كافة الأماكن، سواء كان في المنزل أو المكتب أو في السيارة، أو على الهواتف المحمولة.

استطاعت الإذاعة، منذ البث الأول قبل ما يزيد على مائة عام، أن تكون مصدر معلومات قوية لتعبئة التغيير الاجتماعي، تواجه الاذاعة بشكل عام تحديات كثيرة في الوقت الحاضر مع انتشار وسائل اعلام أخرى، مثل الفضائيات ومواقع الانترنت، التي تجتذب قطاعاً واسعاً من الجماهير، غير أن الاذاعة تظل بالنسبة لكثيرين صديقاً وفياً يشتاقون لسماعه

وقد خصصت منظمة اليونسكو يوما دوليا للإذاعة، كان أول احتفال به في شهر فبراير من عام 2012 بوصفها إحدى الوسائل الأكثر نجاحاً في توسيع الوصول إلى المعارف، وتعزيز حرية التعبير، وكذلك تشجيع الاحترام المتبادل، والتفاهم ما بين الثقافات، كما أثبتت الإذاعة المحلية فعاليتها لاسيما في المناطق النائية في بلادنا، حيث يحول بلاء الأمية دون حصول السكان على المضامين التي تنشرها الصحافة وكذا ازمة الكهرباء وضف الانترنت في الأرياف يجعل من الإذاعة هي الوسيلة الأكثر انتشاراُ في اليمن.

يعد البث الإذاعي من أكثر وسائل الاتصال التي يسهل الوصول إليها والتي تتمتع بالشمولية لنشر المعلومات حيث تسمح الأجهزة اللاسلكية منخفضة التكلفة جنباً إلى جنب مع التغطية الواسعة للإشارات الراديوية التي تشمل حوالي 75 في المئة من الأسر المعيشية في جميع أنحاء العالم بالوصول إلى السكان بغض النظر عن مستويات معرفة القراءة والكتابة.

رغم كونها وسائل إعلام متميزة للدفاع عن حقوق الشعوب ، وبالرغم من الالتزامات التي تعهدت بها الدول، تبقى الإذاعات المحلية صعبة المنال. لذلك، اضطرت العديد من الإذاعات المحلية إلى اللجوء إلى ممارسة أنشطتها خارج الإطار القانوني في اليمن قد يمثل استعمال الميكروفون فعلا غير قانوني.

القيود والتحديات القانونية

العمل في الاذاعات المحلية العمل في الممنوع.

تواجه الإذاعات المحلية في العصر الحديث قيود تفرضها الحكومات والتنظيمات الإعلامية بعض القيود على حرية الإذاعة وتنظمها بما في ذلك القوانين والتشريعات المحلية. يجب على الإذاعات المحلية الامتثال لهذه القيود والتحديات القانونية والعمل ضمن الإطار المحدد. ومن الأهمية بمكان حماية حرية التعبير واستقلالية الإذاعة لضمان تقديم المعلومات العادلة والمتوازنة للجمهور.

القيود والتحديات القانونية في اليمن تعد الاذاعات عمل في الممنوعات بسبب عدم توفر القانون لإنشاء الاذاعات المحلية. حيث حصر قانون (32) لسنة 2003م بشـأن تنظيم المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون الحق للدولة فقط في امتلاك القنوات والاذاعات وحصرها في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون. الاذاعات الخاصة والمجتمعية والتجارية كلها معرضة للخطر والايقاف في اي لحظة ما يجعل صعوبة الاستثمار في مشروع معرض للخطر باي لحظة.

وربطها اللائحة التنفيذية للقانون رقم (25) لسنة 1990م بشأن الصحافة والمطبوعات في(مجال الصحافة) هو القانون الحاكم الأعلام في البلد، كان لدينا مشروع قانون تنظيم الإعلام السمعي والبصري الخاص والإعلام الالكتروني 2010 يهدف هذا القانون إلى كفالة احترام الحق في التعبير عن الرأي بطرق مشروعة وانتشار الثقافة وتفعيل الحوار الثقافي من خلال البث الأرضي والفضائي التلفزيوني والإذاعي والإلكتروني والهاتفي بغرض تقديم رسالة إعلامية بمضامين ذات منفعة للمجتمع الا انه لم يقر حتى اللحظة بسبب الظروف السياسية في البلاد.

في السنوات الأخيرة وبسبب الحرب استطاع كثير من الاعلاميين الحصول على أجهزة بث اذاعي وبدء مشاريع البث الاذاعي. لكن سرعان ما فرضت السلطات في صنعاء رسومًا مرتفعة جدًا على كل اذاعة، حيث يتطلب ضمان بنكي قدره خمسة ملايين ريال ومليون ريال تدفعها سنويًا.

بينما في عدن، فرضت السلطة المحلية متمثلة بمكتب الإعلام رسومًا رمزية تقدر بحوالي 150 ألف ريال يمني. وقد عارضت وزارة الاعلام في الحكومة الشرعية هذه الاجراءات. ومع ذلك ساهم هذا الاجراء في انشاء عدد من الاذاعات المجتمعية في عدن.

الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي اتخذت أيضًا خطوات جريئة في تنظيم العمل الاعلامي في مناطق سيطرتها، بهدف تسهيل مهمة العمل الاعلامي الذي يؤيد قضية شعب الجنوب. ومع ذلك، تعرضت العديد من وسائل الاعلام التي لا تعترف بالمجلس للمنع وعرقلة عملها في عدن.

في حضرموت ومأرب، لا يمكن انشاء اذاعات جديدة. حيث قررت السلطة المحلية عدم السماح بأنشاء أي اذاعات جديدة في المنطقة.

على الرغم من أن الاذاعات المحلية والمجتمعية قد تلبي احتياجات الجماهير المحلية وتلعب دورًا هامًا في نشر المعلومات وتوعية المجتمع، إلا أن القيود القانونية والتحديات التي تواجهها تعيق استمرارية عملها وتشكل عقبة كبيرة أمام الاستثمار في هذا القطاع.

يجب أن يتم إقامة قوانين واضحة وشفافة لتنظيم الاذاعات المحلية في اليمن. يجب أن يتم منح الفرصة للمجتمع للمساهمة في صناعة الاعلام وتوفير بيئة مناسبة للاستثمار في هذا المجال، مع مراعاة حقوق الدولة وضمان مصالح الجمهور. الاذاعات المحلية المتنوعة والمستقلة تعد أداة هامة لتعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة في اليمن.

التمويل والاستدامة

التمويل والاستدامة هما مفهومان يتعلقان بشكل وثيق ببعضهما البعض، حيث يهدف كل منهما إلى تحقيق عالم أفضل ومستدام للجميع. يمكن تعريف التمويل على أنه عملية توفير الأموال وإدارتها بفعالية، من أجل تحقيق الأهداف المتعلقة بنشاط ما. ومن ناحية أخرى، يشير مفهوم الاستدامة إلى القدرة على تلبية احتياجات الجيل الحالي دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.

التمويل والاستدامة للإذاعات المحلية: أشد الحاضر من التحديات

مع تقدم التكنولوجيا وتغير العادات الاستهلاكية للمستهلكين، يواجه بث الإذاعات المحلية عديدًا من التحديات لضمان استمراريتها وتمويلها. وقد تصاعدت هذه التحديات مع فقدان الاهتمام العام في المحتوى الإذاعي التقليدي مع تفضيل الجماهير للمحتوى العالمي والاستماع عبر الانترنت.

يجب أن نفهم أن البث الإذاعي المحلي يعتمد بشكل كبير على الإعلانات والدعايات لتمويل نشاطاته. ولكن، وفي ظل تفاقم وتعقيد المنافسة، يصبح من الصعب جذب الإعلانات الكافية لتغطية نفقات التشغيل. فلا يمكن للإذاعات بمفردها أن تتحمل المسؤولية المالية للبقاء على قيد الحياة في ظل عدم وجود الدعم الكافي من القطاع العام أو الشركات الخاصة.

علاوة على ذلك، يجب أن نتناول التحدي الثقافي الذي يواجه الإذاعات المحلية المستقلة. فالجمهور اليوم يتجه نحو سماع المحتوى العالمي والأخبار العالمية، مما يضعف من قوة الإذاعات المحلية ويقلص من جاذبيتها. يُعد هذا الأمر ظاهرة سلبية تعمل على تشجيع القسم الخاص بالإذاعات المحلية على التفكير في إيجاد طرق جديدة للتواصل واستعادة انتباه الجماهير.

إضافةً إلى ذلك، يمكننا أن نرى تدهورًا كبيرًا في أعداد المستمعين المحليين بسبب توافر المحتوى الرقمي على الانترنت. الآن بالإمكان بث البرامج والموسيقى والأخبار عبر الإنترنت بشكل مجاني، ما يعني أن الجماهير لم تعد تعتمد بشكل كبير على الإذاعات التقليدية. لم يعد هناك طموح أو رغبة من الإذاعات المحلية في المنافسة مع هذا الجيل الجديد من البث الإذاعي، وبالتالي تتجه إلى الاندماج مع هذه التقنيات الجديدة بدلًا من مواجهتها.
بهذه الطبيعة السلبية للتحديات التي تواجهها الإذاعات المحلية في الوقت الحاضر، فإن تأمين تمويل مستدام يصبح مهمة شبه مستحيلة. إذا لم تطبق سريعًا استراتيجيات ذكية لتجاوز هذه التحديات، فسوف نشهد تناقصًا تدريجيًا في دور الإذاعة المحلية وعراقتها.

إذاعة المحلية هي مرآة المجتمع وصوته الرسمي، فهي تعكس تفاصيل حياة الناس المحلية وتطلعاتهم ومشاكلهم. ومع ذلك، فإن هذه الإذاعات تواجه تحديات كبيرة في تأمين مصادر التمويل اللازمة للبقاء على قيد الحياة وتحقيق الاستدامة. سأتناول بصورة متشائمة موضوع مصادر تمويل الإذاعات المحلية وأثر هذه التحديات على دورها في المجتمع.

يعد تمويل الإذاعات المحلية أمراً صعباً جداً. عادة ما تكون هذه الإذاعات مؤسسات غير ربحية يتم تشغيلها بواسطة هيئات أو جمعيات تهدف للعمل الخيري وخدمة المجتمع المحلي. ومع ذلك، فإن هذه المؤسسات تواجه صعوبة كبيرة في جذب التبرعات والتمويل اللازم لاستمرار المشروع.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون الإذاعة المحلية معرضة للتهميش واللامبالاة من قبل الجهات المانحة والرعاة. فعادة ما يتم التركيز على دعم الإذاعات الكبيرة والمعروفة عالمياً، وتتلقى الإذاعات المحلية نصيباً ضئيلاً من الموارد المالية والتعاون الدولي. هذا الإهمال يؤثر سلباً على قدرة الإذاعة المحلية على تطوير البرامج وتحسين جودة الإنتاج.

علاوة على ذلك، يعد الاعتماد الكبير على الإعلانات التجارية مصدراً آخر من مصادر تمويل الإذاعة المحلية. ومع ذلك، فإن التحدي الذي تواجهه هذه الإذاعات هو صعوبة تحقيق الإيرادات الكافية من هذه الإعلانات، نظراً للانخفاض في حجم الإعلانات وتباين الاهتمام بالإعلانات المحلية في المجتمع. هذا الواقع القاسي يجعل الإذاعات المحلية تعاني من صراع مستمر لتلبية الاحتياجات المالية البسيطة، مما يؤثر سلباً على جودة وتنوع المحتوى المقدم.

يمكن القول إن مصادر تمويل الإذاعات المحلية تعد مشكلة جسيمة تواجهها هذه المؤسسات في مجتمعاتنا. وبالنظر إلى تحديات جذب التمويل من الجهات المانحة والاعتماد الكبير على الإعلانات، فإن الإذاعات المحلية تعاني من صعوبة كبيرة في تلبية احتياجاتها المالية وتحقيق الاستدامة. هذا التراجع في مصادر التمويل يضعف دور الإذاعة المحلية كمنصة رئيسية للتواصل والتغطية الشاملة لحياة المجتمع المحلي، ما يؤثر سلبياً على قدرتها على النمو وتحقيق التغيير الإيجابي. لذا، يجب على الجهات المعنية أن تكثف جهودها في دعم وتمويل الإذاعات المحلية، لتعزيز دورها الهام في تعزيز التواصل والتنمية المحلية.

رأفت رشاد باقي:

مدير عام اذاعتي بندر عدن وعدنية